قوله تعالى: «وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا» .. ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الآية السابقة تضمنت فيما تضمنت نسبة الأبناء إلى الآباء .. وهذه النسبة لا تعرف إلا إذا كانت علاقة الرجل بالمرأة قائمة على أساس سليم، فلا يتصل الرجل بغير امرأته، ولا تتصل المرأة بغير زوجها .. !

فاتصال الرجل بغير امرأته، والمرأة بغير زوجها، فيه عدوان على هذه الحرمة التي يجب أن تقوم بين الزوجين .. ثم فيه من جهة أخرى، اختلاط للأنساب، وضياع للحقوق التي تقوم على هذه الأنساب، فلا تكون هناك صلة جامعة بين آباء وأبناء. والفاحشة، والفحش: المنكر، السيّء، القبيح. والوصف الملازم للزنا دائما، هو أنه فاحشة، حيث يطلّ منه هذا الوجه المنكر الكريه، الذي ينطق بالخيانة، والعدوان ..

قوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» ..

بعد أن نهت الآية السابقة عن قتل الأولاد بيد الآباء، صيانة للنفس من حيث هى نفس، ورعاية لهذه الصلة الوثيقة، وتلك الرابطة القوية التي تربط بين الآباء والأبناء ـ جاءت هذه الآية ناهية عن قتل النفس ـ أىّ نفس ـ لتلك الاعتبارات التي تمسك يد الآباء عن قتل أبنائهم .. فالناس جميعا أبناء نفس واحدة، وإن تفرقوا شعوبا وقبائل، واختلفوا ألسنة وألوانا .. فكما تقوم بين الآباء والأبناء صلة الدم التي تحجزهم ـ أو من شأنها أن تحجزهم ـ عن قتلهم، كذلك تقوم صلة بين الإنسان وأخيه الإنسان، من شأنها أن تكفّ يده عن قتله ..

وفى قوله تعالى: «إِلَّا بِالْحَقِّ» قيد وارد على النهى المطلق، وهو أنه وإن كان للنفس الإنسانية هذه الحرمة التي تعصمها من القتل، فإن هناك بعض النفوس ترفع عنها هذه العصمة فتستحق القتل، وذلك حين يستخفّ صاحبها بنفس غيره، ويستبيح دمه .. هنا يكون القصاص، ويكون قتل القاتل، حقّا مشروعا .. فذلك هو العدل الذي إن لم يستقم ميزانه بين الناس على هذا الوجه، اضطرب أمنهم، وشاع الفساد فيهم .. واللّه سبحانه وتعالى يقول: «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ» وتقتل النفس كذلك، وقتلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015