الإنسان، حيث ينظر الناظر إلى مواليد الحياة، فيجد أنها ترجع إلى الذكر والأنثى، أو الأب والأم، وإن كان الخلق كله للّه سبحانه وتعالى .. ثم لا يقف أمر الوالدين عند حدّ ولادة المولود، بل إنهما يقومان على أمره، ويسهران على كفالته، وتنشئته، حتى يجاوز مرحلة الطفولة والصبا، وحتى فى مرحلة الشباب، لا تنقطع رعاية الأبوين، ولا عنايتهما بأولادهما .. ومن هنا كان للأبوين هذا الحق فى عنق الأبناء، وهو حق توجبه المروءة، ويقتضيه العدل، قبل أن يوجبه الدين، وتقتضيه الشريعة .. وقد دعت الشريعة إلى أداء هذا الحق، فى صورة عامة مجملة، وهو الإحسان إليهما، الإحسان المطلق، الذي يشمل كل خير، ويضمّ كل إحسان .. سواء بالقول، أم بالعمل .. فكل ما هو داخل فى باب الإحسان ينبغى على الأبناء أن يقدموه إلى آبائهم .. «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً».

وفى قوله تعالى: «إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما».إشارة إلى مقطع من مقاطع الحياة، ومرحلة من مراحلها، يبلغها الأبوان، فيكونان فيها فى حال من الضعف والوهن، وذلك حين يتقدم بهما العمر ..

وهنا قد يجد بعض الأبناء أن الفرصة ممكنة لهم فى أن يتخفّفوا من حقوق الوالدين، أو أن يسيئوا الأدب معهما .. ولهذا جاء قول اللّه هنا منبّها إلى تلك المرحلة التي قد يبلغها الأبوان من العمر، وما ينبغى أن يكون عليه سلوك الأبناء فيها معهما: «إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً».

و «إمّا» أصلها «إن» الشرطية، «وما» الزائدة للتوكيد. و «أفّ» صوت، يدل على الضجر، والضيق من قائله إلى المقول له .. ولا تنهرهما: النّهر: الزجر، والتعنيف فى الخطاب .. فالآية الكريمة، ترسم أدب الحديث مع الوالدين فى حال بلوغهما الكبر ..

فالكلمة النابية تجرح مشاعرهما، وتكدر خاطرهما، والكلمة الطيبة تنعش روحيهما وتشرح صدريهما ..

إن الأبوين فى حال الكبر لا يحتاجان إلى كثير من الطعام أو الكساء، أو غيرهما من متع الحياة، وإنما الذي يحتاجان إليه فى تلك الحال، هو الإحسان إليهما بالكلمة الطيبة، إذ كان أكثر ما يملكانه ويتعاملان به فى هذه الحال هو الكلام، أخذا، وعطاء ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015