وفى هذه الآية جاءت دعوة اللّه الناس جميعا إلى الإيمان باللّه. فهذا ما قضى اللّه سبحانه وتعالى به فى عباده، حين أخذ عليهم العهد، وهم فى ظهور آبائهم ..
كما يقول سبحانه: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى .. شَهِدْنا» (172:الأعراف) .. فالناس جميعا ـ بحكم هذا العهد ـ مؤمنون باللّه، بفطرتهم، يولد المولود منهم، وهو على هذه الفطرة، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» 0ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (?) 0
ومن هنا يبدو إيمان الناس باللّه وكأنه قضاء قضى اللّه به عليهم، وألزمهم إياه .. فهم مؤمنون باللّه، بحكم فطرتهم المودعة فيهم، ومطلوب منهم أن يستقيموا على هذه الفطرة، وألّا يخرجوا عنها .. فالإيمان باللّه غريزة مركوزة فى كيان الإنسان، أشبه بتلك الغرائز التي تتحكم فى سلوك الحيوان .. ولكن الإنسان حين يعقل ويدرك، يصبح كائنا ذا إرادة .. وهو بهذه الإرادة قد يلتقى مع الفطرة، وقد يصطدم بها .. ومن هنا يكون الإيمان والكفر، والهدى والضلال ..
وقوله تعالى: «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» معطوف على ما قبله، ويصحّ عطف النهى على الأمر، والأمر على النهى، لأنهما طلبيّان .. وفى النهى معنى الأمر ..
فقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» يحمل معنى الأمر، وهو اعبدوا اللّه .. فحسن عطف الأمر عليه: «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» .. وقدّم معمول المصدر، على المصدر، للاهتمام به، لأنه مطلوب الإحسان وغايته .. وأصل النظم «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وإحسانا بالوالدين» .. ونصب إحسانا بفعل محذوف، تقديره «أحسنوا» .. وفى عطف الأمر بالإحسان إلى الوالدين، على النهى عن عبادة غير اللّه، مزيد اهتمام بالوالدين، واحتفاء بقدرهما، وتنويه بفضلهما .. وذلك لأنهما هما السبب المباشر فى إيجاد