يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنِ التَّجّبُّرِ، وَالتَّبَخْتُرِ فِي المَشْيَةِ، كَمَا يَفْعَلُ الجَبَّارُونَ، فَيَقُولُ تَعَالَى: وَلاَ تَمْشِ أَيُّها الإِنْسَانُ فِي الأَرْضِ مُتَكَبِّراً مُتَخَايِّلاً مَزْهُوّاً بِقُوَّتِكَ فَأَنْتَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ التِي تَمْشِي عَلَيْهَا، بِشِدَّةِ وَطْئِكَ عَلَيْهَا بِقَدَمَيْكَ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطَاوِلَ الجِبَالَ، وَلاَ أَنْ تَبْلُغَ طُولَ قِمَمِهَا.
وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ:لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَفَعَهُ، قَالَ:يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:مَنْ تَوَاضَعَ لِي هَكَذَا، وَجَعَلَ يَزِيدُ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى الأَرْضِ، وَأَدْنَاهَا إِلَى الأَرْضِ، رَفَعْتُهُ هَكَذَا، وَجَعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ. (?)
لَقَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ السَّابِقَاتِ عَنْ أُمُورٍ، كَمَا أَمَرَ بِأُمُورٍ، وَجَمِيعِ مَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَهُوَ سَيِّئُهُ):مِنَ الإِشْرَاكِ بِاللهِ تَعَالَى، وَالتَّبْذِيرِ وَالتَّأَفُفِ مِنَ الوَالِدَيْنِ، وَغَلِّ اليَدِ بُخْلاً، وَقَتْلِ الأَبْنَاءِ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ، وَالمَشْيِ مَرَحاً00هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اللهِ مَمْقُوتٌ. (?)
الآيات واضحة الألفاظ والمعاني لا تحتاج إلى أداء آخر. والمتبادر أنها جاءت بعد الآيات السابقة لها التي ذكرت الفرق بين الراغب في الآخرة والساعي لها بالإيمان والعمل الصالح وبين المستغرق في الحياة الدنيا المنشغل بها عن التفكير في العواقب لتستطرد إلى بيان الحدود التي يجب على الناس أن يسيروا في نطاقها لنيل رضاء اللّه وضمان السعادة في الدنيا والآخرة معا. ويلمح صلة أخرى بين الآيات وبين أوائل السورة أيضا. فكما آتى اللّه موسى عليه السلام الكتاب وجعله هدى لبني إسرائيل وأوحى إليه بوصاياه وحكمه أنزل اللّه تعالى القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - وجعله هاديا للناس جميعا إلى التي هي أقوم، وأوحى إليه بوصاياه وحكمه كذلك.
والآيات مجموعة رائعة من الحكم والوصايا المتصلة بعقيدة التوحيد وواجب الإنسان تجاه والديه وأقاربه والمساكين وأبناء السبيل والأيتام من برّ وقول معروف وحفظ حق، ثم واجب الاعتدال والقصد في حالة اليسر وعدم التبرّم بأحداث الحياة وضيق المعيشة وكثرة الولد في حالة الفقر والعسر. ثم واجب احترام أعراض الناس ودمائهم وعهودهم