وَبَعْدَ أَنْ نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْ إِتْلاَفِ الأَنْفُسِ، نَهَى عَنْ إِتْلاَفِ الأَمْوَالِ، وَأَحَقُّ الأَمْوَالِ بِالرِّعَايَةِ مَالُ اليَتِيمِ، فَبَدَأَ اللهُ تَعَالَى بِدَعْوَةِ المُؤْمِنِينَ إِلَى المُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَلاَ تَتَصَرَّفُوا بِمَالِ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالطَّرِيقَةِ التِي هِيَ أَحْسَنُ الطُّرُقِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ حِفْظِهِ وَتَثْمِيرِهِ لأَنَّهُ ضَعِيفٌ عَنْ تَدْبِيرِ مَالِهِ، عَاجِزٌ عَنِ الذَّوْدِ عَنْهُ، وَالجَمَاعَةُ المُسْلِمَةُ مُكَلَّفَةٌ بِرِعَايَةِ اليَتِيمِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى العِنَايَةِ بِمَالِهِ وَتَدْبِيرِهِ0وَبِمَا أَنَّ رِعَايَةَ مَالِ اليَتِيمِ وَشَخْصِهِ عَهْدٌ عَلَى الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ، لِذَلِكَ أَلْحَقَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الوَفَاءَ بِالعَهْدِ إِطْلاَقاً، وَحَثَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ يَسْأَلُ عَنِ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ وَيُحَاسِبُ عَلَيْهِ مَنْ يَنْكُثُ بِهِ وَيَنْقُضُهُ.
وَالوَفَاءُ بِالْكَيْلِ وَالاسْتِقَامَةِ فِي الوَزْنِ هُمَا مِنْ أَمَانَاتِ التَّعَامُلِ، يَسْتَقِيمُ بِهِمَا التَّعَامُلُ فِي الجَمَاعَةِ، وَتَتَوَافَرُ بِهِمَا الثِّقَةُ فِي النُّفُوسِ، وَلِذلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ المُؤْمِنِينَ بِإِيفَاءِ الكَيْلِ وَالمِيزَانِ وَإِتْمَامِهِمَا مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ وَلاَ تَطْفِيفٍ، وَبِأَنْ يَزِنُوا بِمِيزَانٍ عَادِلٍ سَلِيمٍ مَضْبُوطٍ (المُسْتَقِيمِ).
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إِنَّ الوَفَاءَ بِالعَهْدِ وَإِيفَاءِ الكَيْلِ وَالوَزْنِ خَيْرٌ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّكْثِ بِالعَهْدِ، وَبَخْسِ النَّاسِ حَقَهُمْ فِي المِكْيَالِ وَالمِيزَانِ، وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً وَمُنْقَلَباً فِي الآخِرَةِ.
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى العِبَادَ عَنِ القَوْلِ بِلاَ عِلْمٍ، وَبُدُونِ تَثَبُّتٍ، فَعَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الحَدِيثِ فِي أَمْرٍ عَلَى الظَّنِّ وَالشُّبْهَةِ وَالتَّوَهُّمِ0وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: لاَ تَشْهَدْ إِلاَّ بِمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ، وَسَمِعَتُهُ أُذُنَاكَ، وَوَعَاهُ قَلْبُكَ.
وَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. (?) ..
وَيَقُولُ تَعَالَى لِلعِبَادِ إِنَّهُ سَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأَفْئِدَتِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَمَّا اجْتَرَحَتْهُ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنْ هَذِهِ الجَوَارِحِ.