وإن هي إلا فروض واحتمالات! ولندع ما لا يشغل العلم به نفسه - إلا قليلا في هذا القرن - من حقيقة الألوهية، وحقيقة العوالم الأخرى من ملائكة وجن وخلق لا يعلمه إلا اللّه. ومن حقيقة الموت، وحقيقة الآخرة. وحقيقة الحساب والجزاء ..
لندع هذا كله لحظة ففي «الغيب» القريب، الكفاية، ومن هذا الغيب يقف العلم وقفة التسليم، الذي لا يخرج عنه إلا من يؤثرون المراء على «العلم» والتبجح على الإخلاص!
ونضرب بعض الأمثال ..
1 - في قاعدة بناء الكون وسلوكه:
الذرة - فيما يقول العلم الحديث - قاعدة بناء الكون. وليست هي أصغر وحدة في بناء هذا العالم. فهي مؤلفة من بروتونات (طاقة كهربية موجبة) والكترونات (طاقة كهربية سالبة) ونيوترونات (طاقة محايدة مكونة من طاقة كهربائية موجبة وطاقة كهربائية سالبة متعادلتين ساكنتين) وحين تحطم الذرة تتحرر الكهارب (الإلكترونات) ولكنها لا تسلك في المعمل سلوكا حتميا موحدا. فهي تسلك مرة كأنها أمواج ضوئية ومرة كأنها قذائف. ولا يمكن تحديد سلوكها المقبل مقدما. وإنما هي تخضع لقانون آخر - غير الحتمية - هو قانون الاحتمالات. وكذلك تسلك الذرة نفسها، والمجموعة المحدودة من الذرات (في صورة جزئيات) هذا السلوك.
يقول سير جيمس جيننر - الإنجليزي - الأستاذ في الطبيعيات والرياضيات:
«لقد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق، أن الطبيعة لا تستطيع أن تسلك إلا طريقا واحدا: وهو الطريق الذي رسم من قبل، لتسير فيه من بداية الزمن إلى نهايته، وفي تسلسل مستمر بين علة ومعلول، وألا مناص من أن الحالة (ا) تتبعها الحالة (ب) أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقوله حتى الآن هو: أن الحالة (ا) يحتمل أن تتبعها (ب) أو (ج) أو (د) أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر. نعم إن في استطاعته أن يقول: إن حدوث الحالة (ب) أكثر احتمالا من حدوث الحالة (ج) وإن الحالة (ج) أكثر احتمالا من الحالة (د) .. وهكذا. بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات