على أن الغيب في هذا الوجود يحيط بالإنسان من كل جانب .. غيب في الماضي وغيب في الحاضر، وغيب في المستقبل .. غيب في نفسه وفي كيانه، وغيب في الكون كله من حوله .. غيب في نشأة هذا الكون وخط سيره، وغيب في طبيعته وحركته .. غيب في نشأة الحياة وخط سيرها، وغيب في طبيعتها وحركتها .. غيب فيما يجهله الإنسان، وغيب فيما يعرفه كذلك! ويسبح الإنسان في بحر من المجهول .. حتى ليجهل اللحظة ما يجري في كيانه هو ذاته فضلا على ما يجري حوله في كيان الكون كله وفضلا عما يجري بعد اللحظة الحاضرة له وللكون كله من حوله: ولكل ذرة، وكل كهرب من ذرة وكل خلية وكل جزئي من خلية! إنه الغيب .. إنه المجهول .. والعقل البشري - تلك الذبالة القريبة المدى - إنما يسبح في بحر المجهول.

فلا يقف إلا على جزر طافية هنا وهنالك يتخذ منها معالم في الخضم. ولولا عون اللّه له، وتسخير هذا الكون، وتعليمه هو بعض نواميسه، ما استطاع شيئا .. ولكنه لا يشكر .. «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» .. بل إنه في هذه الأيام ليتبجح بما كشف اللّه له من السنن، وبما آتاه من العلم القليل .. يتبجح فيزعم أحيانا أن «الإنسان يقوم وحده» (?) ولم يعد في حاجة إلى إله يعينه! ويتبجح أحيانا فيزعم أن «العلم» يقابل «الغيب» وأن «العلمية» في التفكير والتنظيم تقابل «الغيبية» وأنه لا لقاء بين العلم والغيب كما أنه لا لقاء بين العقلية العلمية والعقلية الغيبية! فلنلق نظرة على وقفة «العلم» أمام «الغيب» .. في بحوث وأقوال «العلماء» من بني البشر أنفسهم - بعد أن نقف أمام كلمة الفصل التي قالها العليم الخبير عن علم الإنسان القليل - «وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» ... الإسراء:85) «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى» .. (النجم:29) وأن الغيب كله للّه: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» ... (الأنعام:59) وأن الذي يعلم الغيب هو الذي يرى: «أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى؟» .. (النجم:35) ... وهي ناطقة بذاتها عن مدلولاتها ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015