وحده المشرف على كل شيء، المحيط بكل شيء .. الحافظ لكل شيء، الذي تتعلق مشيئته وقدره بكل شيء .. الصغير كالكبير، والحقير كالجليل، والمخبوء كالظاهر، والمجهول كالمعلوم، والبعيد كالقريب ..

والذين يزاولون الشعور ويزاولون التعبير من بني البشر يدركون جيدا حدود التصور البشري، وحدود التعبير البشري أيضا. ويعلمون - من تجربتهم البشرية - أن مثل هذا المشهد، لا يخطر على القلب البشري كما أن مثل هذا التعبير لا يتأتى له أيضا .. والذين يمارون في هذا عليهم أن يراجعوا قول البشر كله، ليروا إن كانوا قد اتجهوا مثل هذا الاتجاه أصلا! وهذه الآية وأمثالها في القرآن الكريم تكفي وحدها لمعرفة مصدر هذا الكتاب الكريم ..

كذلك ننظر إليها من ناحية الإبداع الفني في التعبير ذاته، فنرى آفاقا من الجمال والتناسق لا تعرفها أعمال البشر، على هذا المستوي السامق: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» .. آماد وآفاق وأغوار في «المجهول» المطلق. في الزمان والمكان، وفي الماضي والحاضر والمستقبل، وفي أحداث الحياة وتصورات الوجدان ..

«وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» .. آماد وآفاق وأغوار في «المنظور»،على استواء وسعة وشمول .. تناسب في عالم الشهود المشهود تلك الآماد والآفاق والأغوار في عالم الغيب المحجوب.

«وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها» .. حركة الموت والفناء وحركة السقوط والانحدار، من علو إلى سفل، ومن حياة إلى اندثار.

«وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ» .. حركة البزوغ والنماء، المنبثقة من الغور إلى السطح، ومن كمون وسكون إلى اندفاع وانطلاق.

«وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ» .. التعميم الشامل، الذي يشمل الحياة والموت، والازدهار والذبول في كل حي على الإطلاق ..

فمن ذا الذي يبدع ذلك الاتجاه والانطلاق؟ ومن ذا الذي يبدع هذا التناسق والجمال؟ .. من ذا الذي يبدع هذا كله وذلك كله، في مثل هذا النص القصير .. من؟ إلا اللّه!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015