إن الفكر البشري - حين يتحدث عن مثل هذا الموضوع: موضوع شمول العلم وإحاطته - لا يرتاد هذه الآفاق ..

إن مطارح الفكر البشري وانطلاقاته في هذا المجال لها طابع آخر ولها حدود. إنه ينتزع تصوراته التي يعبر عنها من اهتماماته .. فما اهتمام الفكر البشري بتقصي وإحصاء الورق الساقط من الشجر، في كل أنحاء الأرض؟

إن المسألة لا تخطر على بال الفكر البشري ابتداء. لا يخطر على باله أن يتتبع ويحصي ذلك الورق الساقط في أنحاء الأرض. ومن ثم لا يخطر له أن يتجه هذا الاتجاه ولا أن يعبر هذا التعبير عن العلم الشامل! إنما الورق الساقط شأن يحصيه الخالق ويعبر عنه الخالق! وما اهتمام الفكر البشري بكل حبة مخبوءة في ظلمات الأرض؟ إن أقصى ما يحفل به بنو البشر هو الحب الذي يخبأونه هم في جوف الأرض ويرتقبون إنباته .. فأما تتبع كل حبة مخبوءة في ظلمات الأرض فمما لا يخطر للبشر على بال أن يهتموا به، ولا أن يلحظوا وجوده، ولا أن يعبروا به عن العلم الشامل! إنما الحب المخبوء في ظلمات الأرض شان يحصيه الخالق، ويعبر عنه الخالق! وما اهتمام الفكر بهذا الإطلاق: «وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ» .. إن أقصى ما يتجه إليه تفكير البشر هو الانتفاع بالرطب واليابس مما بين أيديهم .. فأما التحدث عنه كدليل للعلم الشامل. فهذا ليس من المعهود في اتجاه البشر وتعبيراتهم كذلك! إنما كل رطب وكل يابس شأن يحصيه الخالق، ويعبر عنه الخالق! ولا يفكر البشر أن تكون كل ورقة ساقطة، وكل حبة مخبوءة، وكل رطب وكل يابس في كتاب مبين، وفي سجل محفوظ .. فما شأنهم بهذا، وما فائدته لهم؟ وما احتفالهم بتسجيله؟ إنما الذي يحصيه ويسجله هو صاحب الملك، الذي لا يند عنه شيء في ملكه .. الصغير كالكبير والحقير كالجليل والمخبوء كالظاهر والمجهول كالمعلوم والبعيد كالقريب ..

إن هذا المشهد الشامل الواسع العميق الرائع .. مشهد الورق الساقط من شجر الأرض جميعا، والحب المخبوء في أطواء الأرض جميعا، والرطب واليابس في أرجاء الأرض جميعا .. إن هذا المشهد كما أنه لا يتجه إليه الفكر البشري والاهتمام البشري وكذلك لا تلحظه العين البشرية ولا تلم به النظرة البشرية .. إنه المشهد الذي يتكشف هكذا بجملته لعلم اللّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015