البشرية! فهو بهذه الطبيعة صنع الأمة المسلمة أول مرة، وبها يصنع الأمة المسلمة في كل مرة يراد أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود، كما أخرجها اللّه أول مرة ..
يجب أن ندرك خطأ المحاولة، وخطرها معا، في تحويل العقيدة الإسلامية الحية التي يجب أن تتمثل في واقع تام حي متحرك، إلى «نظرية» للدراسة والمعرفة الثقافية لمجرد أننا نريد أن نواجه «النظريات» البشرية الهزيلة بنظرية إسلامية!
إن العقيدة الإسلامية يجب أن تتمثل في نفوس حية، وفي تنظيم واقعي، وفي حركة تتفاعل مع الجاهلية من حولها، كما تتفاعل مع الجاهلية الراسبة في نفوس أصحابها - بوصفهم كانوا من أهل الجاهلية قبل أن تدخل العقيدة إلى نفوسهم وتنتزعها من الوسط الجاهلي. وهي في صورتها هذه تشغل من القلوب والعقول ومن الحياة أيضا مساحة أضخم وأوسع وأعمق مما تشغله «النظرية» وتشمل - فيما تشمل - مساحة النظرية ومادتها. ولكنها لا تقتصر عليها.
إن التصور الإسلامي للألوهية وللوجود الكوني وللحياة وللإنسان، تصور شامل كامل. ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي. وهو يكره - بطبيعته - أن يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي. لأن هذا يخالف طبيعته وغايته. ويجب أن يتمثل في أناسي، وفي تنظيم حي، وفي حركة واقعية .. وطريقته في التكون أن ينمو من خلال الأناسي والتنظيم الحي والحركة الواقعية حتى يكتمل نظريا في نفس الوقت الذي يكتمل فيه واقعيا ولا ينفصل في صورة نظرية بل يظل ممثلا في الصورة الواقعية ..
وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي، ولا يتمثل من خلاله، هو خطأ وخطر كذلك بالقياس إلى طبيعة هذا الدين، وغايته، وطريقة تركيبه الذاتي.
واللّه سبحانه يقول: «وَقُرْآناً فَرَقْناهُ، لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» ..
فالفرق مقصود. والمكث مقصود كذلك .. ليتم البناء التكويني المؤلف من عقيدة في صورة «منظمة حية» لا في صورة «نظرية معرفية»!