الإسلامية، والبناء الواقعي للجماعة المسلمة .. لم تكن مرحلة تلقي «النظرية» ودراستها! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معا .. وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى ..
هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة وأن تتم خطواتها على مهل وفي عمق وتثبت .. وهكذا ينبغي ألا تكون مرحلة بناء العقيدة مرحلة دراسة نظرية للعقيدة ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة في صورة حية، متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة ومتمثلة في بناء جماعي يعبر نموه عن نمو العقيدة ذاتها ومتمثلة في حركة واقعية تواجه الجاهلية وتخوض معها المعركة في الضمير وفي الواقع كذلك لتتمثل العقيدة حية وتنمو نموا حيا في خضم المعركة.
وخطأ أي خطأ - بالقياس إلى الإسلام - أن تتبلور النظرية في صورة نظرية مجردة للدراسة النظرية .. المعرفية الثقافية .. بل خطر أي خطر كذلك ..
إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاما كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا!
فلو أراد اللّه لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاما أو أكثر أو أقل، حتى يستوعبوا «النظرية الإسلامية»! ولكن اللّه - سبحانه - كان يريد أمرا آخر. كان يريد منهجا معينا متفردا. كان يريد بناء الجماعة وبناء الحركة وبناء العقيدة في وقت واحد. كان يريد أن يبني الجماعة والحركة بالعقيدة، وأن يبني العقيدة بالجماعة والحركة! كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الفعلي، وأن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو صورة العقيدة .. وكان اللّه - سبحانه - يعلم أن بناء النفوس والجماعات لا يتم بين يوم وليلة .. فلم يكن بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس والجماعة .. حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج
هذه هي طبيعة هذا الدين - كما تستخلص من منهج القرآن المكي - ولا بد أن نعرف طبيعته هذه ولا نحاول أن نغيرها تلبية لرغبات معجلة مهزومة أمام أشكال النظريات