وَكُلٌّ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ عَوَامُّهُمْ لَا يَفْهَمُ مَقَالَةَ خَوَاصِّهِمْ عَلَى حَقِيقَتِهَا، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَخَطَّى مَرْيَمَ كَمَا يَتَخَطَّى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، وَأَحْبَلَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا، وَلَا يَعْرِفُونَ تِلْكَ الْهَذَيَانَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا خَوَاصُّهُمْ، فَهُمْ يَقُولُونَ: الَّذِي تُدَنْدِنُونَ حَوْلَهُ نَحْنُ نَعْتَقِدُهُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَقَالِيمِ الثَّلَاثِ وَالطَّبِيعَتَيْنِ وَالْمَشِيئَتَيْنِ، وَذَلِكَ التَّهْوِيلِ وَالتَّطْوِيلِ.
وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ مَرْيَمَ وَالِدَةُ الْإِلَهِ، وَاللَّهَ أَبُوهُ، وَهُوَ الِابْنُ فَهَذَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، وَالْوَلَدُ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا.
فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَعْدَاءِ الْمَسِيحِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُغَالِينَ فِيهِ مِنَ النَّصَارَى وَالْمُثَلِّثَةِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ قَاتَلَ اللَّهُ الْفِئَتَيْنِ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَزَالَ الشُّبْهَةَ فِي أَمْرِهِ، وَكَشَفَ الْغُمَّةَ، وَبَرَّأَ الْمَسِيحَ وَأَمَّهُ مِمَّا افْتَرَاهُ (مِنَ افْتِرَاءِ الْيَهُودِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَبَهْتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، وَتَنَزَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقُ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ مِمَّا افْتَرَاهُ) عَلَيْهِ الْمُثَلِّثَةُ عُبَّادُ الصَّلِيبِ الَّذِينَ سَبُّوهُ أَعْظَمَ السَّبِّ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ. وَأَنْزَلَ أَخَاهُ الْمَسِيحَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِهَا، وَهِيَ أَشْرَفُ مَنَازِلِهِ،