وَأَمَّا النّسْطُورِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسِيحَ شَخْصَانِ وَطَبِيعَتَانِ لَهُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ طَبِيعَةَ اللَّاهُوتِ لَمَّا وُجِدَتْ بِالنَّاسُوتِ صَارَ لَهُمَا إِرَادَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاللَّاهُوتُ لَا يَقْبَلُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانًا وَلَا يَمْتَزِجُ بِشَيْءٍ، وَالنَّاسُوتُ يَقْبَلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَكَانَ الْمَسِيحُ بِذَلِكَ إِلَهًا وَإِنْسَانًا، فَهُوَ الْإِلَهُ بِجَوْهَرِ اللَّاهُوتِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، وَهُوَ إِنْسَانٌ بِجَوْهَرِ النَّاسُوتِ الَّذِي يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ. وَقَالُوا: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ الْمَسِيحَ بِنَاسُوتِهِ وَإِنَّ اللَّاهُوتَ لَمْ يُفَارِقْهُ قَطُّ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ اسْتَنْكَفَتْ أَنْ يَكُونَ الْمَسِيحُ عَبْدَ اللَّهِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَنْكِفْ مِنْ ذَلِكَ، وَرَغِبَتْ بِهِ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ، وَهُوَ لَمْ يَرْغَبْ عَنْهَا، بَلْ أَعْلَى مَنَازِلِهِ عُبُودِيَّةُ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَأَعْلَى مَنَازِلِهِمَا تَكْمِيلُ مَرَاتِبِ الْعُبُودِيَّةِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَيَا فَوْزَ مَنْ رَضِيَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَبْدًا، فَلَمْ تَرْضَ الْمُثَلِّثَةُ بِذَلِكَ.
وَقَالَتِ الْآرْيُوسِيَّةُ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ آرِيُوسَ: إِنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَهُوَ مَرْبُوبٌ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ.
وَكَانَ النَّجَاشِيُّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ.
وَإِذَا ظَفَرَتِ الْمُثَلِّثَةُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قَتَلُوهُ شَرَّ قِتْلَةٍ، وَفَعَلُوا بِهِ مَا يُفْعَلُ بِمَنْ سَبَّ الْمَسِيحَ وَشَتَمَهُ أَعْظَمَ سَبٍّ.