. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا حَمْرَاءُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَالْوَاجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ أَعْنِي كَوْنَ بَعْضِهَا أَحْمَرَ دُونَ بَعْضٍ لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ إلَّا لِمُوجِبٍ.
فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ لُغَةٌ فَلَيْسَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهَا فَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ مَقَالَةِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا لِسَانُهُ وَلِسَانُ قَوْمِهِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَمَعَ كَوْنِ كَلَامِهِ آبِيًا عَنْ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِ بِتَغْلِيطِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ، لَا مُلْجَأَ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِدُونِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّ حَمْلَهُ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَ يُنَافِي مَا احْتَجَّ بِهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مِنْ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ رَأَى عَلَى رَوَاحِلِهِمْ أَكْسِيَةً فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ مَا فِيهِ الْخُطُوطُ وَتِلْكَ الْحُلَّةُ كَذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ) هِيَ اللَّيِّنُ مِنْ الْأُذُنِ فِي أَسْفَلِهَا وَهُوَ مُعَلَّقُ الْقُرْطِ مِنْهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ فِي شَعْرِهِ فَهَهُنَا " إلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يَبْلُغُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " إلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ ". قَالَ الْقَاضِي: الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَا يَلِي الْأُذُنَ هُوَ الَّذِي يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ، وَمَا خَلْفَهُ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرِهَا بَلَغَتْ الْمَنْكِبَ، وَإِذَا قَصَّرَهَا كَانَتْ إلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَكَانَ يَقْصُرُ وَيَطُولُ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي بَابِ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ.
الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْبَرَاءِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ.
الثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَنْسُبْهُ الْحَافِظُ إلَى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، إنَّمَا ذَكَرَ أَخْبَارًا وَآثَارًا يُعْرَفُ بِهَا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ.
الثَّالِثُ: يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ دُونَ مَا كَانَ صَبْغُهُ خَفِيفًا، جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ.
الرَّابِعُ: يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ، وَيَجُوزُ فِي الْبُيُوتِ وَالْمِهْنَةِ، جَاءَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الْخَامِسُ: يَجُوزُ لُبْسُ مَا كَانَ صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ، وَيُمْنَعُ مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ جَنَحَ إلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيِّ.
السَّادِسُ: اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِمَا يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى أَحَدٍ.
السَّابِعُ: تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالثَّوْبِ الَّذِي يُصْبَغُ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ غَيْرُ أَحْمَرَ فَلَا.
حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّهُ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ إنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لُبْسُ الْكُفَّارِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ زِيُّ النِّسَاءِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الزَّجْرِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لَا لِذَاتِهِ،