. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَجُلًا مَجْهُولًا.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ «إنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ زَيْنَبَ امْرَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيَابِهَا بِمَغْرَةٍ وَالْمَغْرَةُ: صِبَاغٌ أَحْمَرُ قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْمَغْرَةَ رَجَعَ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ عَلِمَتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَرِهَ مَا فَعَلَتْ وَأَخَذَتْ فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَوَارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ فَاطَّلَعَ، فَلَمَّا لَمْ يَرَ شَيْئًا دَخَلَ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَابْنُهُ، وَفِيهِمَا مَقَالٌ مَشْهُورٌ. وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ غَايَةُ مَا فِيهَا لَوْ سَلِمَتْ صِحَّتُهَا، وَعَدَمُ وُجْدَانِ مُعَارِضٍ لَهَا الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ، فَكَيْفَ وَهِيَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا لِمَا فِي أَسَانِيدِهَا مِنْ الْمَقَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَمُعَارَضَةٌ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
نَعَمْ مِنْ أَقْوَى حُجَجِهِمْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ» وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهَا، مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مَرَّاتٍ، وَمِنْ أَصْرَحِ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ بُرْدٍ أَوْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كَمَا قَالَ ابْنُ قَانِعٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وَابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ السَّكَنِ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ عَدِيٍّ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا أَحَبُّ الزِّينَةِ إلَى الشَّيْطَانِ.» وَأَخْرَجَ نَحْوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَهَذَا إنْ صَحَّ كَانَ أَنَصَّ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ، وَلَكِنَّك قَدْ عَرَفْت لُبْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ، وَيَبْعُدُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ مَا حَذَّرَنَا مِنْ لُبْسِهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَهُنَا فِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ مُشْعِرَةٌ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْخِطَابِ بِنَا، إذْ تَجَنُّبُ مَا يُلَابِسُهُ الشَّيْطَانُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا الرَّاجِحُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ؟ قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَعَلَ فِعْلًا لَمْ يُصَاحِبْهُ دَلِيلٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ كَانَ مُخَصِّصًا لَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ الشَّامِلِ لَهُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُخْتَصًّا بِهِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَافِظُ وَجَزَمَ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَدَلِيِّ وَقَدْ بَالَغَ الْجُوزَجَانِيّ فَقَالَ: بَاطِلٌ، فَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعْتَضَدَةِ بِأَفْعَالِهِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ لَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِهِ لِذَلِكَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهَا إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً، وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ بُرْدَانِ يَمَانِيَّانِ مَنْسُوجَانِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ مَعَ الْأَسْوَدِ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ بَحْتًا،