. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ لِمَا عَرَفْتَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ حَكَى وُجُوبَ الْإِجَابَةِ إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ: إنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا، وَأَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ، وَأَنْ لَا يُظْهِرَ قَصْدَ التَّوَدُّدِ لِشَخْصٍ لِرَغْبَةٍ فِيهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنْ يَخْتَصَّ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَنْ لَا يُسْبَقَ، فَمَنْ سَبَقَ تَعَيَّنَتْ الْإِجَابَةُ لَهُ دُونَ الثَّانِي، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مِنْ مُنْكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ أَدِلَّةِ هَذِهِ الْأُمُورِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَغَارَ يُغِيرُ: إذَا نَهَبَ مَالَ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ دُخُولَهُ عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ بِدُخُولِ السَّارِقِ الَّذِي يَدْخُلُ بِغَيْرِ إرَادَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ اخْتَفَى بَيْنَ الدَّاخِلِينَ، وَشَبَّهَ خُرُوجَهُ بِخُرُوجِ مَنْ نَهَبَ قَوْمًا وَخَرَجَ ظَاهِرًا بَعْدَمَا أَكَلَ، بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ دَخَلَ مُخْتَفِيًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُمْنَعَ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ قَدْ قَضَى حَاجَتَهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى التَّسَتُّرِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ: أَيْ أَكَلَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْأَكْلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْعُوِّ فِي عُرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الْحُضُورُ. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَ الْأَكْلِ وَرَجَّحَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَلَعَلَّ مُتَمَسَّكَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ: " وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ ". قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ فِي آخِرِهِ " وَالصَّلَاةُ: الدُّعَاءُ " وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: «فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ فَلْيَشْتَغِلْ بِالصَّلَاةِ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهَا وَيَحْصُلَ لِأَهْلِ الْمَنْزِلِ وَالْحَاضِرِينَ بَرَكَتُهَا. وَيَرُدُّهُ أَيْضًا حَدِيثُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْحُضُورُ عَلَى الصَّائِمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَلَكِنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لِلدَّاعِي: إنِّي صَائِمٌ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ عَذَرَهُ مِنْ الْحُضُورِ بِذَلِكَ وَإِلَّا حَضَرَ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إنْ كَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا؟ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الدَّعْوَةِ صَوْمُهُ فَالْأَفْضَلُ الْفِطْرُ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ. وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ اسْتِحْبَابَ الْفِطْرِ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مِنْ يُجَوِّزُ الْخُرُوجَ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ. وَأَمَّا مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِمْرَارَ فِيهِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ فَلَا يُجَوِّزُهُ.
قَوْلُهُ: (فَذَلِكَ إذْنٌ لَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى الْمَدْعُوِّ إذَا كَانَ مَعَهُ رَسُولُ الدَّاعِي وَأَنَّ كَوْنَ الرَّسُولِ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ.