. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْضَاوِيُّ: " مِنْ " مُقَدَّرَةٌ، كَمَا يُقَالُ: شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ: أَيْ مِنْ شَرِّهِمْ. قَوْلُهُ: (تُدْعَى. . . إلَخْ) الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إلَيْهِ الشَّبْعَانُ وَيُحْبَسُ عَنْهُ الْجَوْعَانُ» . قَوْلُهُ: (فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَى الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يُطْلَقَ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْوُجُوبُ، وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ. وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِجَابَةَ إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ مُسْتَحَبَّةٌ كَغَيْرِهَا، وَلَمْ يُحْكَ الْوُجُوبُ إلَّا عَنْ أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، فَانْظُرْ كَمْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَحْكِهِ إلَّا عَنْ قَوْلٍ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِلْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِالْإِجَابَةِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ لَهَا عَنْ الْوُجُوبِ، وَلِجَعْلِ الَّذِي لَمْ يُجِبْ عَاصِيًا، وَهَذَا فِي وَلِيمَةِ النِّكَاحِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَائِمِ الْآتِيَةِ، فَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَلِيمَةِ شَرْعًا كَمَا سَلَفَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ كَانَتْ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةً.
لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي حَمْلُ مُطْلَقِ الْوَلِيمَةِ عَلَى الْوَلِيمَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْعُرْسِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» . لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ غَيْرُ نَاتِجٍ لِلتَّقْيِيدِ لِمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَعَقِّبَةِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ» وَأَيْضًا قَوْلُهُ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَلِيمَةِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَمَّهَا قُطْرُبٌ فِي مُثَلَّثَاتِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا فِي بَابٍ آخَرَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّامَ فِي الدَّعْوَةِ لِلْعَهْدِ مِنْ الْوَلِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا. قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيمَةَ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى طَعَامِ الْعُرْسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَلَائِمِ فَإِنَّهَا تُقَيَّدُ، انْتَهَى. وَيُجَابُ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيمَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. وَثَانِيًا بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يُشْعِرُ بِالْإِجَابَةِ إلَى كُلِّ دَعْوَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ فِي الدَّعْوَةِ وَذَلِكَ نَحْوَ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ " وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» وَقَدْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ مُطْلَقًا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ. وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ، فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَحَكَاهُ