تعصّبت كل فرقة على الأخرى، وكان رأس أحد (?) الفرقتين قاضي (القضاة) (?) المحبّ بن الشحنة وتبعه على ما هو عليه البرهان البقاعي، وعبد البر بن الشحنة، وتبعهم شرذمة من طلبة العلم والمتعصّبين، وهم يقولون بتفسيق ابن (?) الفارض أو تكفيره. ورأس الفرقة الأخرى: البدر بن الغرس ومعه على ما هو عليه النجم يحيى بن حجّي، وغيره، وجماعة كثيرة من الطلبة والناس، ومعهم الأتراك من الأمراء قائلون بولايته وتصوّفه ومعرفته التامة وسلوكه.
وكانت هذه الفتنة قد ابتدأت في حدود السنة الخالية وفشت في هذه الأيام، وكتبت الفتاوى في أمر الفارض، وفي كلماته التي ظاهرها الخروج عن كثير من قواعد الشرع على ما زعم الطائفة المتعصّبة عليه.
وأفتى شيخنا العلاّمة الكافيجي، رحمه الله تعالى، وجماعة من علماء مصر بما مال إليه البدر بن الغرس، وكان كلام شيخنا في ذلك من أحسن كلام وأقربه إلى الإنصاف وأجلّه وأحشمه، ووقع في ذلك خبط كبير، وخلط كثير، وقال وقيل، وتنافس الطلبة، بل وتعادوا فيما بينهم، بل والعلماء والأكابر، ونظم الشعراء في ذلك، وصنّفت التصانيف. ووقع بين البقاعيّ وبين التاج بن شرف في ذلك. وإليه أشار صاحبنا الشهاب المنصوري من جملة قصيدة.
بين البقاعيّ وبين التاج بن (?) ... شرف
ما بين معترك الأحداق والمهج
ثم زاد الأمر وعظم فيه الحال حتى استفيض بأن سيعقد في ذلك مجلس، وهذا بعد تعصّب الكثير (?) من الأمراء الأتراك وغير الأمراء مع الطائفتين، لكن الأرجح والأكثر طائفة البدر بن الغرس. / 223 ب / ثم زاد الأمر حتى أيقن البقاعي شرور بما جزم بأنه يقتل في هذه الحادثة بتعصّب الترك عليه. بل ربما همّ بأن يبعث إلى السيّاف بالوصيّة به والترفق حين يضرب عنقه، ولو فعل به ذلك لكان أهون عليه مما قاساه وعاناه بعد ذلك من المشاق وترك الوطن، حتى صار الناس يصرّحون بأنّ ذلك كله من بركة ابن الفارض وكراماته.