وخبر ذلك بتمامه فيه طول قد بيّناه في تاريخنا «الروض الباسم» (?). وملخّصها أنه كان قد بلغ السلطان عنه أنه في قصد الثوران به واغتياله والاستيلاء على الأمر، وأنه اتفق في ليلة الوليمة مع جماعة على ذلك، فرتّب الظاهر خشقدم بعض مماليكه، واتفق معهم على قتله غيلة، فأصبح هو وركب في غلس هذا اليوم وليس على باله شيء ممّا أضمر له ولا توهم بسعيهم له، فصعد إلى القلعة ودخلها متوجّها إلى جهة الحوش على عادته. وبينا هو في أثناء مروره تجاه الجامع الناصري، وإذا بعدة من المماليك بالسيوف المصلتة قصدوه وتناولوه بها حتى وقع إلى الأرض، وفرّ من كان معه من جماعة، ثم ضربه إنسان منهم بسيف في خاصرته، فنهض قائما، ثم سقط، فسحبوه برجله إلى طريق المطبخ، ووجد به بعض رمق، فأخذوا حجرا هائلا فردخوا به رأسه، ومات من وقته وسلبوه، وألقوا عليه حصير السترة.
وقد عرفت أنّ جانبك هذا كان من مماليك الظاهر ورقّاه إلى نيابة جدّة وعظم بها جدّا حتى صار حاكم الحجاز في وقته، وهلمّ جرّا، ولم ينكب بعد أستاذه، وتقدّم وحده بيده، ثم قام بسلطنة خشقدم هذا فصيّره دوادار (?) كبيرا، وصار هو المدبّر للمملكة وإليه المرجع فيها، والسلطان معه كالآلة، فثقل عليه ونسب إلى الاستيلاء على الأمر حتى فعل به ما فعل.
وكان ذا همّة عليّة وحزم وعزم وشجاعة وإقدام ويقظة وسياسة، محبّا في الظهور والاستعلاء والرئاسة متناهيا في ذلك، كريم النفس، جوادا، كثير التجمّل في شؤنه (?). أنشأ الآثار الحافلة، وكان يعاب بالمكر والخداع وكثرة الحيل والحدّة والطيش والعسف / 155 أ / وجمع الأموال من غير وجهها، والتعاظم والشمم.
وكان سنّه يوم قتل نيّفا وخمسون (?) سنة.
[2573]- ثم لما انتهى أمر قتله عاد قاتلوه إلى باب القلّة من القلعة فالتقوا برفيقه تنم رصاص (?)، وكانوا قد أمروا بقتله أيضا فقصدوه فاستجار بمقدّم المماليك وبجماعة من إنياته (?)، فلم يفده ذلك وتناولوه بالضرب، فلما تيقّن أنه هالك لا محالة أخذ في المدافعة عن