أنواع الخير والبرّ والمعروف بقلبه وقالبه، خيّرا، ديّنا، حسن السمت والملتقى، كثير الأدب والحشمة، ذا تؤدة وسكون. فكه المحاضرة، حلو المذاكرة، جيّد المعاشرة، ضويّ الهيئة، حسن الشكالة، نيّر الوجه، حسن الصورة واللحية وافرها، عارفا بأيام الناس، ذا حنكة وتجارب ودهاء ومعرفة بطرائق الملك والملوك والمملكة بحيث لا يعجبه في ذلك العجب، متأنّقا في سائر أحواله، متجمّلا في جميع شؤونه، قائما بناموس ما ولّيه على قواعد قدماء الملوك والأمراء. وكان يضرب بسماطه المثل بالقاهرة، فضلا عن غيرها حتى كان الكثير من الناس يقرّع جماعة من الأمراء بمصر بتركه سماطه لهم، وكره بعض المماليك، أستاذيهم. وكان يحضر سماط الكثير من الرؤساء والأعيان وغيرهم، خصوصا في أيام المواكب وهو بالقاهرة لزومه ذلك. وكان كريم النفس جدا سخيّا، معطاء، بارّا لأصحابه، كثير التودّد إليهم والقيام معهم بل ومع من قصده لمهمّ كائنا من كان، محبّا في العلم والعلماء والطلبة وأرباب الفضائل والكمالات، معظّما لهم، محبّا في الفقراء والصالحين والمجاذيب، ذا مهابة وحرمة وأبّهة، حتى كان بعض المعتبرين يقول عنه إنه سلطان أولاد الناس، وترشح مرة لنيابة الشام في دولة الأشرف برسباي قبل نيابة الكرك، وأظنّه آخر من كتب في الورق الأحمر كنائب الشام إلى السلطان وهو نائب الكرك. وكان مع ذلك كله شجاعا، مقداما، عارفا بأنواع الفروسية والأنداب والتعاليم، يشارك بفنون ذلك، تخرّج على أكابر مدّعي هذه الفنون، ويقرّر لهم عيوبهم في ذلك، وله في ذلك حكايات لو سردناها لطال المجال، وكان عفيفا عن المنكرات والفروج والمسكرات. ولقد حلف مرة يمينا بأنه لم يدخل المسكر باطنه قطّ، وهو بارّ في يمينه، صادق في ذلك. وكان معظّما عند الملوك، موقّرا، حتى كان الظاهر يخاطبه ب: «يا سيدي»، ويرفع من محلّه، وقام له غير ما مرّة وأجلسه.
وأمّا الظاهر خشقدم فناهيك بما كان يعظّمه به، وكان إذا حضر عنده تحرّك له، وربّما قام له في بعض الأحيان وأجلسه. وكان إذا حضر مجلسه أقبل عليه فلا يتكلّم مع غيره إجلالا له إلاّ على وجه يتضمّن بسؤال لأحد ممن حضر ذلك المجلس في شيء يتعلّق بالوالد. وكان له التوجّه التامّ للعالم الملكوتيّ والإقبال على الله تعالى، مواظبا على تواصل الطاعات والعبادات من صيام كثير من الأيام، وصيام الثلاث (كذا) شهور في المحرم، كل ذلك في أيام إمرته، فما بالك في غيرها، مع المواظبة على صلاة الضحى وصلاة الغفلة، وقيام الليل في بعض الأحيان وملازمة التلاوة والأذكار والأوراد ومطالعة الكتب والاشتغال والتصنيف والتأليف، وبلغت عدّة تصانيفه زيادة على الثلاثين، فمن ذلك:
«البرهان المستقيم في تفسير القرآن العظيم».
و «التحفة المنيفة في الأحاديث الشريفة (?)، وشرحها».