حسن هذا فإنّ طرباي تعصّب لواحد من أصحابه بأن يقرّر في هذه الإمرة، فعارضه برسباي، وخرج طرباي إلى برّ الجيزة لمرابع خيوله في هيئة تنزّه، وفي الحقيقة هو غضبان، وصارت الأراجيف تقوى بوقوع فتنة، فأخذ برسباي في تلافي خاطر طرباي، وأمر الوزير أن يحمل إليه ما جرت به العادة، وأن يحمل للأتابك حين خروجه للربيع ويعظ عليه بسبب تأخّره ذلك ليبلغ طرباي، وبعث الأستادار أيضا وناظر الخاصّ إليه بأشياء (?).
وفيه خسف جرم القمر بحيث لم يبق إلاّ اليسير، وكان ذلك في الثلث الأخير من الليل، وأخذ الناس يشيعوا على عادتهم بزوال السلطان، وكان ما تفاءلوا به (?).
وفي ربيع الأول عاد طرباي من الربيع بعد أن أقام عدّة أيام وهو يمتنع في حضوره حتى توجّه إليه يشبك الأعرج وطيّب خاطره وحلف له أنه ما عليه إلاّ الخير والسلامة، فانخدع لذلك، وذهب إلى القلعة للخدمة، وفي ظنّه (?) أنّ برسباي لا يفاجئه بمكروه لاتحاد بينهما. وكان طرباي يرى أنه هو الذي أقام برسباي لا سيما وقد خدع جانبك الصوفي حتى قبض عليه.
فلما حضر الخدمة أمر برسباي للقبض عليه، فثار وسلّ سفيه وقام ليدفع عن نفسه، فبدره جماعة وأعاقوه عن النهوض، وعاقه برسباي بالسيف وضربه ضربة جاءت في يده قطعت إلى ثلثها، ويقال إنه أطاح بعضا من أصابعه، ثم أخذ وقد نضح الدم / 540 / وحمل إلى مكان سجن به. ووقعت هجّة بالقصر ثم سكنت للحال، ونودي بالقاهرة بالأمان وعدم التكلّم فيما لا يعني الإنسان.
وكان في القبض على طرباي عبرة بأن تبصّر، فإنه حصل عليه ما حصل على جانبك الصوفي بل وأزيد، فإنه خدعه طرباي، فخدع هو أيضا، كما تدين يدان، وبالله المستعان (?).
وفيه نفي سودون الحموي أحد الألوف إلى دمياط، وأخرج طرباي إلى سجن الإسكندرية (?).