سأموت عن قريب، فإنه كان متضاعفا، وكأنه أحسّ من نفسه ما لم يعهده قبل ذلك منها، وكان ذلك مقدّمات مرض موته وكان لا يعهد ذلك. ثم قال له: وأنا أعرف أنني إذا متّ ربّما قاموا على ولدي، وربّما احتاج إلى حصن يأويه، فيجيء إليك، وهذه خالته عندك مثل أمّه. قال: ثم أخذ يوصيني على أشياء كثيرة، ولهذا لما فقد العزيز من الدور السلطانية وكثرت الأقاويل في شأنه كان من جملة ما قيل إنه ذهب إلى زوج خالته بالكرك، وكان هذا القول في الحقيقة سببا لتنبّه الظاهر على صرف الوالد من الكرك. ثم لما خرج الوالد إلى الكرك أقام بها نحو السنتين، ثم صرف عنها بأقبغا التركماني (?)، وبعث به إلى صفد على أتابكيّتها يأكلها طرخانا معفى عن الكلف السلطانية والخدم.

وكان بلغ الظاهر بأنّ الوالد لما خرج من الكرك سلّمها لأقبغا على أجمل وجه وأكمله، مع إظهار حشمة وكلمات فيها تعظيم الظاهر، فعرف له ذلك، وكان سببا لوفور حرمته في دولته واعتنائه بشأنه، وكان ذلك خلاف القياس، وباشر الوالد أتابكيّة صفد وبها إذ ذاك نائبها حينئذ الأمير إينال العلائي (?) المسلطن بعد ذلك، وهو الملك الأشرف الماضي ذكره، فرافقه بها مدّة يسيرة حتى كان إينال يركب ويحضر إليه في كل قليل بمنزله، وكان بينهما صحبة أكيدة ومحبّة زيادة عمّا كان قبل ذلك، لكن ما ظهر نتيجة ذلك بعد سلطنته لعوارض قد أشرنا إلى شيء منها فيما مضى عند ذكرنا حضور الوالد إلى القاهرة في أوائل سلطنة الأشرف إينال هذا. ثم دام بصفد مسيرا حتى كانت قضية إينال الحكميّ (?)، وتغري برمش (?) نائبي الشام وحلب وتوجّه العساكر إليه، فخرج الوالد صحبة العسكر الصفديّ على أن إينال قال له: أنت معفى عن الخدم والأسفار، فلم يرض الوالد بإقامته بصفد، وكان معه جماعة من جياد الأجناد والمماليك النافعة، فقال: لا أتقاعد عن مهمّ السلطان، وخرج بطلب جيّد وأبّهة. واتفق كسرة إينال الحكميّ بعد أن كانت الكسرة أولا على السلطانيين من إينال، ووقعت سناجقهم ولم يبق منها في ذلك اليوم سوى سنجق الوالد بيد شخص من مماليكه يقال له أسندمر، ثبت به بمكان، فاتفق أن تراجعت العساكر فاجتمعوا إلى هذا السنجق، ثم كرّوا وحملوا على إينال الحكميّ فهزموه، وخفي عليهم حال إينال.

وكان الوالد في أثناء هذه الهرجة وجد طبر إينال الحكميّ ملقى على الأرض، فأخذه ووجد به سبعة عشر ضربة سيف، فأحضره الوالد لآقبغا التمرازي (?) الذي كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015