أجري له ذكره عنده بالنباهة، فولاّه النظر على الخاصّ بالثغر السكندريّ، عوضا عن [ا] بن الصغير، وباشره بحرمة وافرة وعفّة زائدة حتى عجب الأشرف من ذلك، وأضاف إليه نظر الذخيرة وبيع البهار بها، ثم بعث إليه باستقراره بالحجوبية بها، ثم رقّاه إلى نيابتها عوضا عن جانبك الثور (?)، مضافا لما بعده من الوظائف وغير ذلك من النوادر كون الحاجب الذي هو كالأمير على النائب يصير نائبا على حجوبيته وأقام من يتكلّم عنه من قبله في النظارة والحجوبية. وحمدت سيرته في مباشرة جملة هذه الوظائف، وشكرت أحكامه، وأحبّه أهل الثغر. ثم حضر إلى القاهرة فتلقّاه الأشرف بالرحب، وشكره في الملأ العام من العسكر وأعيان الدولة.
واتفق أن تزوّج بأخت الخوند جلبان الست أصيل (?)، الماضية ترجمتها، ثم عاد إلى الثغر ودام به وهو مكبّ على الاشتغال واجتماع الكثير من علماء الثغر بذلك العصر في مجلسه ومذاكرته معهم، وسماع الحديث به. ثم بعث يستعفي من الذي هو فيه، ويلتمس حضوره القاهرة غير ما مرة حتى أجيب إلى ذلك، وحضر إليها عن إمرة طبلخاناة كانت بيده، بل وزيادة عليها البسلقون (?). وغلط - بل كذب - من قال إنه حضر من الإسكندرية على نحو الطبلخاناة، فإنها كانت طبلخاناة وزيادة، وكان يحضر الخدمة السلطانية مع مقدّمين (؟) الألوف ثم أضيف إليه نظر دار الضرب، ثم أمّر على الحاج بالمحمل، وخرج إلى الحج بأبّهة زائدة في سنة تسع وثلاثين، وكانت ثانية له فإنه حج قبلها حجّة الإسلام صحبة والده، ثم عاد في التي تليها، ولازم أيضا مجلس شيخ الإسلام [ا] بن حجر في سماع الحديث، وسمع عليه الكثير وعلى غيره من العلماء. بل كان له بداره مجلس محفوف بالعلماء.
ثم طلبه الأشرف للوزارة فامتنع من ذلك، فألحّ عليه، فاشترط عليه شروطا، ثم وليها في سنة أربعين وباشرها مدّة يسيرة ورأى بها ما لا يليق به من الأمور فاستعفى منها فأجيب إلى ذلك، وبقي على ما بيده من الطبلخاناة. ثم ولاّه نيابة الكرك والشوبك، عوضا عن عمر شاه لاستئمان السلطان إيّاه. وكانت الكرك إذ ذاك من أجلّ النيابات، وكانت قلعتها مشحونة بالأموال والحواصل بالغلال.
حدّثني الوالد صاحب الترجمة قال: لما ولاّني الأشرف الكرك ورأى في وجهي أمارة الكراهة لخروجي من القاهرة قال لي في خلوة: أتدري لماذا ولّيتك الكرك؟ قال: فقلت: نعم، يبعدني مولانا السلطان عن مشاهدة وجهه الذي هو عندي أعظم من ألف كرك، ولأنّه ملّني. فقال: لا والله، إنّما ولّيتها لك لتكون معقلا وذخيرة لولدي، فإنني