أن الإسلام قد مات في تركيا الجديدة، ألهم الله شيخاً واحداً أن يقول كلمة الإسلام بإخلاص، فإذا هو يهدم في يوم واحد ما بنوه في خمسين سنة، وإذا الإسلام ينبعث حياً قوياً، لا في نفوس الشيوخ والعجائز الذين أدركوا عهد ما قبل الجمهورية، بل في نفوس هؤلاء «الشبان النوريين».
وسرت دعوته كما تسري أشعة الفجر الأولى في ظلمة السَّحَر ومشت كمشي البُرْء في أوصال المريض، قوية ولكنها خفية، حتى إذا حان موعد الفجر الأول بدت للعيان على يد مَنْدَريس وصحبه، فعاد المسلمون إلى المساجد ورجعوا إلى القرآن، وعزّ الدين، وسمع المسلمون في تركيا الأذان العربي، أذان بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، الله أكبر» بعد أن لبثوا ثلث قرن يسمعون «تنري بيوكتر، تنري بيوكتر».
لقد حدثني مَن شهد الإخوان الأتراك لمّا سمعوه كيف أثارتهم الفرحة حتى خفَّتْ لها أحلامُ ذوي الحُلُم والمكانة فيهم، فصاروا يضحكون ويبكون ولا يدرون من شدة الفرح ما هم فاعلون.
إن فجر مندريس كان الفجر الأول، ولا بد أن تعقبه ظلمة طفيفة هي ذيل سجف الليل. لقد جمع الكفر قوته ووثب مثل وثبة الديك المذبوح، فظنها الرائي من بعيد علامة الحياة، وإنها لأمارة الموت. لقد ذهب في هذه الوثبة مندريس رحمه الله، ولكن ضياء الفجر لم يذهب. لقد طلع الفجر صادقاً هذه المرة وعبَّر الشعب في تركيا عن إيمانه.
* * *