ولكن ذلك شيء تعمّده الأجانب يوم كانت سياسة البلاد وإدارتها ومناهجها في أيديهم، وكان أمضى سلاح حاربونا به في ديننا وأبنائنا، فكيف نبقى عليه وقد انتقلت سياسة البلاد ومناهجها إلى أيد وطنية يريد أصحابها الخير لبلادهم والصلاح؟
ثم إن هؤلاء الطلاب إذا خرجوا من المدرسة وبقي فريق منهم على شيء من التدين وأحبوا أن يطالعوا علوم الإسلام، لم يجدوا كتاباً سهلاً جامعاً بين دفتيه خلاصة ما يجب على الشاب المسلم أن يعرف من أصول الدين وفروعه، وإنما يجدون كتباً في علم الكلام مشحونة بالمجادلات الجوفاء والرد على مِلَل قد بادت ونِحَل قد نُسيت منذ مئات السنين وعرض شُبَهها وضلالاتها، وكتباً في الأصول معقدة غامضة لا يفهم الشاب شيئاً منها، وكتباً في الفقه مملوءة بالمناقشات اللفظية والفروض البعيدة والاحتمالات الغريبة، لا تكاد تخلو من اختصار مخل أو تطويل ممل، وكتباً في التفسير مطوَّلة ومختصرة فيها كل شيء من نحو وصرف ولغة وبلاغة وتاريخ وفلسفة وإسرائيليات، ولكن ليس فيها تفسير واحد يرضي الشاب وينفعه ويجد فيه المراد من الآية ويعينه على التدبر الذي أمر الله به، وكتباً في الحديث مرتَّبة على غير حاجة العصر مبوَّبة بحسب أبواب الفقه أو أسماء الرواة، فينصدع رأس الشاب ويفنى صبره قبل أن يصل إلى حديث واحد يفتش عنه ويطلبه، ورسائل في علم المصطلح غامضة فيها تعقيد، وقل مثل ذلك في سائر العلوم.
وهذه الكتب مؤلفة على طريقة لا تخلو من غرابة وشذوذ، فالكتاب الواحد متن وشرح للمتن، ومختصَر للشرح وشرح