معروفة، ليست قبلتنا البيت «الأبيض» ولا البيت «الأحمر»، ولكن قبلتنا بيت عليه ستار أسود. وليست وجهتنا الشرق ولا الغرب، ولكن وجهتنا إلى حيث يقوم هذا البيت. فحين ندع الشرق والغرب ونتوجه إليه، إلى منزل الوحي، إلى الكعبة، نكون قد عرفنا الطريق.
يا إخواني، أنا ما جئت أدعو إلى خيالات وأوهام، ولا أتعمّد اليوم تزويق الكلام، بل جئت بالحقيقة. وهذه الحقيقة ماثلة أمامكم، لا تحتاج إلى قيل وقال ولا تحتمل الجدال. فلو مرض عندك مريض فراجعت طبيبين وأعطياك دواءين، جربت هذا الدواء فكان فيه الشفاء وجربت الثاني فاشتدّ منه الداء، فأي الدواءين تختار؟
لقد جربَت هذه الأمة الإسلام وجرّبت المذاهب والنِّحَل من دونه ومن ورائه: لما كانت في جاهليتها، في مرض الجهل والانقسام والعزلة والبعد عن دنيا التمدن والعلم، جعلها الإسلام أمة التمدن والعلم وسلمها مفاتيح الأرض. وكانت يوماً بعد إسلامها في مثل حالنا اليوم: كانت متفرقة شيعاً ومنقسمة دولاً، تتجادل وتتقاتل وتتصايح وتتذابح والأجنبي الغاصب الصليبي يحتل الساحل السوري كله، وتنصرف إلى اللغو واللهو وتتبع الهوى وتعيش في الغفلة، والعدو إلى جنبها ما بينها وبين العدو حاجز ولا ستار.
كانت في معركة غاب الإسلام عنها حيناً، فأخذ الصليبيون القدس وبقيت في أيديهم أكثر من تسعين سنة. مات منا جيل ووُلد