ووجدتَه في كل شعبة من عصبك وفي كل قطرة من دمك، وخرج الثاني ضعيفاً خافتاً، وذلك إذا اشتدت الشهوة وتهيأت دواعي إشباعها بالزنا، أو إذا تمكن الغضب وأمكن التنفيس عنه بالبطش. واتّباع صوت الحق هنا أصعب، لا سيما للشاب الذي يعيش في بلاد الإفرنج حيث يسهل الزنا وتتيسر دواعيه وحيث يكثر الجمال المعروض والمتع المبذولة، ولذلك جعل الله ثواب من ينصرف عن المتعة المحرَّمة بعد التمكن منها أعظم. وقد ورد أن من يتمكن من الزنا بامرأة وتتهيأ له أسبابه كلها، ثم ينصرف عنه خوفاً من الله، يكون يوم القيامة أحدَ السبعة الأصناف الذين يظلّهم الله بظل عرش الرحمن يومَ لا ظلّ إلا ظله.
وعلى مقدار عظم الثواب تكون مشقة العمل. وهذا موقف لا يقدر عليه في الواقع إلا من أوتي إيماناً راسخاً وعزيمة قوية، والله المستعان. ومَن علم من الشبّان الذين يدرسون في أوربا أنه لا يستطيع أن يمتنع عن الزنا وأنه يغلب عن ظنه الوقوع فيه، حَرُم عليه حرمة تامة الإقامة في هذه الديار مهما كان له منها من منافع دنيوية، لأن الدنيا لا تغني عن الآخرة، ولو كان في هذه البلاد مرض من الأمراض السارية وغلب على ظن هذا الطالب أو ظن أهله أنه سيصاب في جسده لمنعوه من السفر وأرجعوه إلى بلده، ولم يعودوا يبالون بعلم يحصله أو شهادة ينالها إن كان في ذلك مرض جسده، فكيف لا يبالون بمرض قلبه وذهاب دينه؟
* * *
والله عز وجل وضع أمامنا طريقين: طريقاً ينتهي إلى الجنة