اللفظين واحد، وكذا عن قوله: (فكأنها أصله ومنشؤه) أم متغايران؟
فقلت: يحتمل الاتحاد في الموضعين على ما جرت به عادة البلغاء في الخطابات، ويحتمل التغاير، وإليه تشير عبارة أبي عبيدة السابقة، فكان المراد بـ " مفتتحه " أنها يفتتح بها المصاحف كتابة، وبـ " مبدئه " أنها يبدأ بها في الصلاة قراءة أو يراد بـ " المفتتح " ما ذكر، وبـ " المبدإ " أنها بدئ بها في النزول، وعلى هذين يحتمل الاتحاد في قوله: (فكأنها أصله ومنشؤه) لصلاحية ذلك للأمرين، مع تقارب ما بين الأصل والمنشأ، ويحتمل التغاير، ويكون من باب اللف والنشر المرتب، فليتأمل.
قوله: (أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله تعالى، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده)
قال القاضي بهاء الدين ابن عقيل (?) في تفسيره: بسط هذا أن آيات القرآن العظيم لا تخلو عن أحد أمور ثلاثة:
الثناء على الله تعالى، والتكليف، والحث على الطاعة، وكل من هذه الثلاثة على قسمين:
فالثناء يكون بالرأفة والرحمة، والجبروت والعظمة، والتكليف يكون بالأمر والنهي، والحث بالوعد والوعيد.
وأهمّ المقصود من إنزال الكتب وإرسال الرسل التكليف بالإيمان وفروعه؛ لما فيه من مصالح العباد وانتظام العالم، فهو كالمقصود لذاته، وكل من القسمين الأخيرين (?) إنما جيء به لأجله، فالثناء بالرحمة والرأفة والحث بالوعد مرغبان في المأمور به، والثناء بالجبروت والعظمة والحث بالوعيد محذران عن المنهي عنه.
ولذلك وسط المصنّف - كالزمخشري - التعبد بالأمر والنهي، فأوقع ما هو كالمقصود لذاته مُكتَنَفاً بالأمرين المسبوقين لتقريره.