ونهوا عن مطالعته وإقرائه.
وألف الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي كتاباً سماه (سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف) قال فيه: وبعد فإن كتاب الزمخشري كنت قرأت منه شيئاً على الشيخ علم الدين عبد الكريم بن علي المشهور بالعراقي في سنة اثنين وسبعمائة وكنت أحضر قراءته عند قاضي القضاة شمس الدين السروجي وكان له عناية ومعرفة ثم لم أزل أسمع دروس الكشاف وأبحث فيه ولي فيه غرام لما اشتمل عليه من الفوائد والفضائل التي لم يسبق إليها، والنكت البديعة والدقائق التي تقر العيون عليها، وأتجنب ما فيه من الاعتزال، وأتخرج الكدر وأشرب الصفو الزلال، وفيه ما لا يعجبني مثل كلامه في قوله تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ)، وطلب مني مرة بعض أهل المدينة بنسخة من الكشاف فأشرت عليه بأن لا يفعل حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إليه كتاب فيه ذلك الكلام، ثم صار هذا الكتاب يقرأ عليَّ وأنا أبقر عن فوائده حتى وصلت إلى تفسير سورة التحريم وقد تكلم في الزلة فحصل لي بذلك الكلام غص، ثم وصلت إلى كلامه في سورة التكوير في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) إلى آخر الآية، والناس اختلفوا في هذا الرسول الكريم من هو، فقال الأكثرون: جبريل، وقال بعضهم: هو محمد صلى الله عليه وسلم، فاقتصر الزمخشري على القول الأول ثم قال: وناهيك بهذا دليلاً على جلالة مكان جبريل وفضله على الملائكة ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الإنس محمد صلى الله عليه وسلم إذا وازنت
بين الذكرين حين قرن بينهما وقايست بين قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21). وبين قوله تعالى (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ). فطرحت الكشاف من يدي، وأخرجته من خلدي، ونويت أن لا أقربه ولا أنظر فيه إن شاء الله تعالى، وذلك لأني أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأجله بحسب ما رزقني الله تعالى من محبته وإجلاله، وأمتنعت من هذه الموازنة والمقايسة التي قالها الزمخشري، وهب أن الملائكة أفضل البشر كما تقوله المعتزلة أما كان هذا الرجل يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذه المقايسة بينه وبين جبريل (?) بل بهذه