قال: وفي جعله استثناء متصلاً من (الْمُشْرِكِينَ) يلزم تخلل الفاصل الأجنبي مع منافاته لعموم المشركين في قوله تعالى (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) إلا أن يحمل على المعهود أعني المشركين الذين استثنى منهم غير الناكثين، أو يخص عمومهم بهذه القرينة، لكن تأخر الاستثناء ينافي ذلك ولا محيص سوى أن يجعل من جهة المعنى من المشركين الثاني أيضاً.
وذهب صاحب الانتصاف إلى أنه لا حاجة إلى تقدير القول في (فَسِيحُوا) وإنما هو تفنن وذهاب من خطاب المسلمين إلى خطاب المشركين ثم رجوع إلى خطاب المسلمين بقوله تعالى (إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ). اهـ
وعبارة الانتصاف: يجوز أن يكون (فَسِيحُوا) خطاباً من الله تعالى ولا يضمر قبله قولوا، ويكون استثناء من قوله (إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ)، والمعنى: براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين لا الباقين على العهد، ويكون فيه خروج من خطاب المسلمين في (عَاهَدْتُمْ) إلى خطاب المشركين في (فَسِيحُوا)، والتفات بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ ... ) وقياسه: غير معجزي وأني، فيه افتنان وتفخيم للشأن، ثم يعود إلى خطاب المؤمنين في قوله تعالى (إِلاّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ). اهـ
قوله: (وانتصابه على الظرف).
قال أبو حيان: سبقه إلى ذلك الزجاج، ورده أبو علي، لأنَّ المرصد: المكان الذي يرصد فيه العدو، فهو مكان مخصوص لا يحذف الحرف منه إلا سماعاً.
قال أبو حيان: وأقول يصح انتصابه على الظرف لأن قوله (وَاقْعُدُوا لَهُمْ) ليس معناه حقيقة القعود بل المعنى: أرصدوهم في كل مرصد يرصد فيه، ولما كان المعنى هذا جاز قياساً أن يحذف منه (في) لأن العامل في الظرف المختص إذا كان من لفظه أو معناه جاز أن يصل إليه بغير وساطة (في). اهـ
وقال صاحب الانتصاف: يحتمل أن يكون المرصد مصدراً لأن اسم الزمان والمكان والمصدر من فعله واحد. اهـ
قوله: (وَخَبَّرتماني أَنَّما الموْتُ بِالقُرَى ... فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَةٌ وَقَلِيبُ).