والسماوات ويشتغلون بعبادة الحجارة والموات، وأما الآية الثانية فلمّا اشتملت على دلائل الأنفس ذكر فيها المبدأ والمنتهى تصريحاً، ولوح إلى ما يتوسطها تلويحاً ذكر خلقهم من طين، ونص على الأجلين وعبر بـ (ثم) دلالة على أطوار ما في البين من النطفة والعلقة والمضغة المخلقة وغير المخلقة والنشوء حياً ثم الطفولة والشباب والشيخوخة إلى الموت، ونبه بذكر الامتراء والعدل من الغيبة في قوله (بِرَبِّهِمْ) إلى الخطاب في قوله عز وجل (أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) على التنبيه من رقدة الغفلة والجهالة، وأن دلائل الأنفس أقرب الدلائل وأدق، وهي التي يضطر معها الناظر إلى المعرفة التامة.

وتلخيص المعنى: أنَّ دلائل الآفاق موجبة لإزالة الشرك وإثبات التوحيد فناسب أن يستبعد منهم الشرك مع وجودها، وأن دليل الأنفس مقتض لحصول اليقين فناسب أن يستبعد منهم الامتراء، واعلم أنَّ قطب هذه السورة الكريمة يدور مع إثبات الصانع ودلائل التوحيد وما يتصل بها، انظر كيف جعل احتجاج الخليل على قومه ومآله إلى قوله (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا)، وكيف أوقع أمر حبيبه صلوات الله وسلامه عليه بقوله (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) بعد ذكر معظم الأنبياء واسطة العقد ولجة بحر التوحيد، ثم تفكر في قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) كيف جاءت خاتمة لها! فسبحان من له تحت كل سورة من كتابه الكريم بل كل آية وكلمة أسرار تنفد دون نفاد بيانها الأبحر. اهـ

قوله: (والباء على الأول متعلقة بـ (كفروا) ... ) إلى آخره.

قال الشيخ سعد الدين: هذا تخصيص من غير مخصص لتأتي التقديرين على كل من الوجهين. اهـ

قوله: (و (أجل) نكرة خصصت بالصفة ولذلك استغنى عن تقديم الخبر).

قال أبو حيان: لا يتعين هنا أن يكون المسوغ الوصف، لأنه يجوز أن يكون المسوغ التفصيل فإنه من مسوغات الابتداء بالنكرة. اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015