وأما الطب فجمعته العرب في كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها في الاقتصار، ومذهبها في الاختصار، فقالت: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أصل كل داء البردة"، وقالوا: "كل وأنت تشتهي، ودع وأنت تشتهي"، فجمعوا الطب بأظافيره، والصلاح بحذافيره، وإذا فتشت أصول سقراط، وتبينت فصول بقراط، لم تجد مستزاداً مستجاداً، ولا مستراداً مستفاداً، وليست هذه الأمور مما ينفرد بها أفرادهم، ولا يخص بها آحادهم، بل ينطق بها صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به آماؤهم، وأشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلواً، ولا قروا به مقروا، لكنها الطباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنحائر الكريمة، تلتقط الحكم من مخاطبتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة في المحاورة، والمشاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة في المسالمة، والمراغمة، والموجزة، مع المناجزة، ولا يتعلمون ولا يتأملون، بل يرسلون الحكم إرسالاً، ويبعثون الفطن أرسالاً. والموسيقى علم اللحون [فما] بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجفة، لعجز طباعهم عن الأوزان، وقلة اتساعهم في الميدان، لأن لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلا بوسائط، ولا تستقل إلا ببسائط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرضون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصمة الإشارات، لها الشعر الموزون، والنظم المكنون، والكلام المنثور،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015