قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتةً، أصلح الله القاضي، فرجعت إلى زوجي فما اعتدائي عليها.
فقالت العجوز: أنا فعلت مرة، وفعلت مرة بعد أخرى.
فقلت: إن الله لم يوقت في هذا وقتاً، وقد قال تعالى: " ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ". فواحدة بواحدة والبادي أظلم.
فقال القاضي: إن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في عدته؛ فأرادت العجوز أن تتولى التفريق بينه وبينها استيفاء لها ومجازاة لها على فعلها، فقلت لها: قد فرقت بينكما، قومي إلى منزلك، انتهى.
وذكر المنصور يوماً في مجلسه زوال ملك بني أمية وما جرى عليهم، وأنهم عاشوا سعداء وماتوا فقراء، فقال له إسماعيل بن علي الهاشمي: إن عبد الله بن مروان بن محمد في حبسك، وله قصة مع ملك النوبة. فأحضره واسأله عنها. فأحضره، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال المنصور: رد السلام أمن ولم تسمح نفسي بذلك، ولكن اقعد! فقعد، فقال: ما قصتك مع ملك النوبة؟
فقال: يا أمير المؤمنين، كنت ولي عهد أبي فلما طلبتنا دعوت عشرة من غلماني ودفعت لكل واحد ألف دينار وأوسقت خمس بغال وشددت في وسطي جوهراً له قيمة عظيمة وخرجت هارباً إلى بلاد النوبة، فلما قربنا بعثت غلاماً لي، فقلت له: امض إلى هذا الملك وأقرئه السلام وخذ لنا منه الأمان وابتغ لنا ميرة. فمضى وأبطأ حتى أسأت به الظن، ثم أقبل ومعه رجل فدخل وسلم وقال: الملك يقرئك السلام ويقول لك: من أنت وما جاء بك إلى بلادي؟ أمحارب، أم راغب في ديني، أم مستجير بي؟ فقلت له: رد على الملك، ما أنا بمحارب ولا راغب في دينك ولا ممن يبتغي بدينه بدلاً بل مستجير به.
فذهب الرسول ورجع إلي وقال: الملك يقول لك إني أجيء إليك غداً فلا تحدث نفسك حدثاً ولا شيئاً من الميرة.