فقال هشام: هت وأوجز، فهذا أول أوقاتك من الآخرة وآخر أوقاتك من الدنيا.
فأنشد يقول:
نبئت أن الباز علق مرة ... عصفور بر ساقه المقدور
فتعلق العصفور في إظفاره ... والباز منهمك عليه يطير
فأتى لسان الحال يخبر قائلاً: ... ها قد ظفرت وإنني مأسور
مثلي فما يغني لمثلك جوعةً ... ولئن أكلت فإنني محقور
فتبسم الباز المدل بنفسه ... طرباً وأطلق ذلك العصفور
قال: فتبسم هشام وقال: وقرابتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو تلفظ بهذا من أول وقت من أوقاته وطلب، ما دون الخلافة، لأعطيته، يا خادم: احش فاهه دراً وجوهراً وأحسن جائزته ودعه يمضي إلى حال سبيله.
؟
قيل: وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك فشكا إله فقره فقال: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعيبني تطلبه ... وإن قعدت أتاني ليس يعيبني
وخرجت الآن من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وعظت فأبلغت.
وخرج وركب ناقته وكر إلى الحجاز راجعاً، فلما كان الليل نام هشام على فراشه فذكر عروة وقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد علي فرددته خائباً. فلما أصبح وجه ليه بألف دينار فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة فأعطاه المال فقال: أبلغ عني أمير المؤمنين السلام، وقل له: كيف رأيت قولي، سعت فأكديت، فرجعت خائباً، فجلست في داري فأتاني رزقي في منزلي، انتهى.