أفتذكر ما كن بيننا؟ قلت: نعم.
قال: بعتني هذه الجارية بخمسين ألف درهم. قلت: نعم.
قال: هات يا غلام المال. فوضعوها بين يديه فقال: هات يا غلام ألف دينار، فتي بها ثم قال: يا غلام هات خمسماية دينار أخرى، فجاء بها ثم قال هذا ثمن جاريتك فضمه إليك، وهذه ألف دينار لحسن ظنك بنا، وهذه الخمسمائة دينار لنفقة طريقك، وما تبتاعه لأهلك، رضيت؟ قلت: رضيت، وقبلت يديه وقلت: والله قد ملأت عيني ويدي.
ثم قال: والله إني لم أدخل بها ولا شبعت من غنائها، علي بها فجاءت فأمرها بالجلوس فجلست فقال لها غني، فأنشدت تقول:
أيا من حاز كل الحسن طراً ... ويا حلو الشمائل والدلال
جميع الحسن في عجم وعرب ... وما في الكل مثلك يا غزالي
تعطف يا مليح على محب ... بوعدك أو بطيف من خيال
حلا لي فيك ذلي وافتضاحي ... وطاب لمقلتي سهر الليالي
وما أنا فيك أول مستهام ... فكم قبلي قتلت من الرجال
رضيت لي من الدنيا نصيباً ... وأنت أعز من روحي ومالي
فطرب طرباً شديداً وشكر حسن تأديبي لها وتعليمي إياها ثم قال: يا غلام قدم له دابة بسرجها وآلتها لركوبه وبغلاً لحمل حوائجه وثقله. ثم قال: يا يونس، إذا بلغك أن هذا الأمر أفضى إلي فألحق بي، فوالله لأملأن لك يدك ولأعلين قدرك ولأغينك ما بقيت.
قال: فأخذت المال وانصرفت. فلما أفضت الخلافة إليه سرت إليه فوفى والله بوعده وزاد في إكرامي وكنت معه على أسر حال وأسنى منزلة وقد اتسعت أحوالي وكثرت أموالي وصار لي من الضياع والأملاك ما يكفيني إلى مماتي ويكفي من بعدي ولم أزل معه حتى قتل، عفا الله عنه.