قالت: فخبرني فيما خرجت؟ قال: يا هذه ما خرجت في هذا الوقت وأنا أريد أن يعلم بي أحد.
قالت: لا بد أن تخبرني؟ قال: تكتمينه إذاً.
قالت: فإني أفعل.
فأخبرها بالقصة على وجهها وما كان من قوله ورده عليه. ثم قال أتحبين أن أحلف لك أيضاً؟ قالت: لا فإن قلبي قد سكن وركن إلى ما ذكرت.
وأما خزيمة فلما أصبح صالح الغرماء وأصلح ما كان من حاله ثم إنه تجهز يريد سليمان بن عبد الملك، وكان نازلاً يومئذ بفلسطين، فلما وقف ببابه واستأذن دخل الحاجب فأخبره بمكانه، وكان مشهوراً بمروءته وكرمه. وكان سليمان عارفاً به فأذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فقال له سليمان بن عبد الملك: يا خزيمة، ما أبطأك عنا؟ قال: سوء الحال.
قال: فما منعك من النهضة إلينا؟ قال: ضعفي يا أمير المؤمنين.
قال: فبم نهضت إلينا الآن؟
قال: لم أعلم يا أمير المؤمنين إلا أني بعد هدو من الليل لم أشعر إلا ورجل يطرق الباب وكان من أمره كيت وكيت، وأخبره بقصته من أولها إلى آخره.
فقال سليمان: هل تعرف هذا الرجل؟ فقال: خزيمة: ما عرفته يا أمير المؤمنين لأنه كان متنكراً وما سمعت من لفظه إلا إني جابر عثرات الكرام.
قال: فتلهب وتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته وقال: لو عرفناه لكافأناه على مروءته، ثم قال: علي بقناة.
فأتى بها فعقد لخزيمة بن بشر المذكور على الجزيرة عاملاً عوضاً عن عكرمة الفياض. فخرج خزيمة طالباً الجزيرة، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه، فسلما على بعضهما ثم سارا جميعاً إلى أن دخلا البلد. فنزل خزيمة في دار الإمارة وأمر أن يؤخذ لعكرمة كفيل وأن يحاسب، فحوسب فوجد عليه فضول أموالٍ كثيرة فطالبه بأدائها قال: ما لي إلى شيء من ذلك سبيل.
قال: لا بد منها.
قال: لست عندي فاصنع ما أنت صانع.