الخطاب فيها وبذلوا فيها أموالاً لجمالها وكمالها، فلما رأيت ذلك خامرني السقم، وضنيت ورميت على الفراش ثم عمدت إلى خابية عظيمة فملأتها رملاً وصخراً وقبرت رأسها ودفنتها تحت فراشي، فلما تم على ذلك أيام بعثت إلى عمي فقلت: يا عمي، إني كنت أريد السفر فوقعت على مال عظيم وخفت أن أموت ولا يعلمه أحد فإن حدث بي أمر فأخرجه وأعتق عني عشر نسمات واحجج عني عشر حجج، وجهز عني عشر رجال بخيولهم وأسلحتهم، وتصدق عني بألف دينار، ولا تبال يا عم! فإن المال كثير.
فلما سمع عمي مقالتي أتى امرأته فأخبرها بقولي فما كان بأسرع من أن أقبلت بجواريها حتى دخلت علي فوضعت يدها على رأسي ثم قالت: والله يا ابن أخي ما علمت بسقمك وما حل بك حتى أخبرني أبو فلان الساعة. وأقبلت تلاطفني وتعالجني بالأدوية وحملت لي لطائف، وردت الخطاب عن ابنتها، فلما رأيت ذلك تحاملت ثم بعثت إلى عمي أن الله عز وجل قد أحسن إلي وعافاني فابتغ لي جارية من خصالها وكمالها كيت وكيت، ولا يسألونك شيئاً إلا أعطيته، فقال: يا ابن أخي ما يمنعك من ابنة عمك؟ فقلت: هي من أعز خلق الله تعالى علي غير أني قد خطبتها قبل ذلك فامتنعت.
قال: كلا، إن الامتناع كان من قبل أمها، وهي الآن قد سمحت ورضيت بذلك.
فقلت: شأنك.
فرجع إلى امرأته فأخبرها بقولي، فجمعت عشيرتها فزوجوني إياها فقلت: عجل علي بابنة عمي كيف شئت ثم أريك الخابية. فأهديت إلي، ولم تدع شيئاً يصنع بأشراف النساء إلا فعلته. ثم زفت ابنتها علي وأحضرتها بكل ما وجدت إليه سبيلاً، وأخذ عمي متاعاً من التجار بعشرة آلاف درهم، وكان يأتينا في كل صباح من قبل أبويها لطائف وتحف مدة. فلما كان بعد ذلك بأيام أتاني عمي وقال: يا ابن أخي، إنا قد أخذنا من التجار متاعاً بعشرة آلاف درهم، وليسوا صابرين على حبس الثمن.
قلت: شأنك والخابية.
فمر مسرعاً حتى جاء بالرجال والحبال فاستخرجها وحملها، ومر مسرعاً بها إلى منزله، فلما فتحها كان فيها ما علمت، فما كان بأسرع من أن جاءت أمها بجواريها فلم تدع في منزلي كثيراً ولا قليلاً إلا حملته، فبقيت مهاناً على الأرض وجفتنا كل الجفاء، فهذا حالي، أصلح الله الأمير، فأنا من خجلي وضيق صدري آوي إلى المساجد.