وهذه حكاية تشابه ما تقدم. قال حماد الراوية: كنت عند جعفر بن سليمان بالبصرة إذ أتى بشاب حسن الوجه، ومعه جارية كأنها قضيب بان، فقال صاحب الشرطة: أصلح الله الأمير، إني وجدت هذا وهذه مجتمعين في خلوة وليس لها بمحرم.
فقال جعفر للفتى: ما تقول؟ فقال: صدق ولقد طال والله غرامي بها منذ ثلاث سنين والله ما أمكنني الخلوة بها إلا في هذا الوقت، وأنشد يقول:
تمنيت من ربي أفوز بقربها ... فلما تهيأ لي المنى عاقه العسر
فوالله بل والله ما كان ريبةٌ ... وما كان إلا اللفظ والضحك والبشر
فدونكم جلدي ولا تجلدونها ... فكم من حرامٍ كان من دونه ستر
قال: فجعلت الجارية تبكي بكاء شديداً فقال لها: وأنت لم تبكين؟ فقالت: والله شفقة مما حل بنا وكيف احتلت حتى خرجت وكيف بلينا بهذه البلية؟ قال: أتحبينه؟ قال: فلم غررت بنفسي؟ قال لها: أنت حرة أم مملوكة؟ قالت: بل مملوكة.
فأمرها فدخلت الدار وأحضر مولاها فاشتراها منه بمائتي دينار وأعتقها وزوجها الفتى ووهب له مائة دينار وكساها، فأنشد الفتى يقول:
لقد جدت يا ابن الأكرمين بنعمة ... جمعت بها بين المحبين في ستر
فلا زلت بالإحسان كهفاً وملجأ ... وقد جل ما قد كان منك عن الشكر
قال: فضحك وأمر لهما بجائزة وانصرفا مسرورين.