والانثناء مَكَان الخضعة والتهافت والتهاتر كالرمل مَكَان الخشعة كَمَا وصف الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْجبَال فَقَالَ {وَكَانَت الْجبَال كثيبا مهيلا} أَي رملا ينهار ويتساقط
فَإِذا صَارَت النَّفس هَكَذَا فَصَارَ الْقلب كَمَا وَصفنَا بدءا فقد لزمَه اسْم الْخُشُوع على الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وخشعت الْأَصْوَات للرحمن فَلَا تسمع إِلَّا همسا}
ذهب الصَّوْت وَقُوَّة ذرو الْكَلَام وَقَالَ تَعَالَى {وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة} أَي سَاقِطَة هامدة
فَمن لم يكن فِي قلبه تراكم أثقال الْمعرفَة فتخشع بأركانه فَذَاك نفاق لِأَنَّهُ تماوت وَهُوَ حَيّ فالتماوت مراءاة والرياء نفاق مرّة يرائي الله تَعَالَى فيبتغي عِنْده بذلك جاها ومدحا وَمرَّة يرائي عبيده يَبْتَغِي عِنْدهم جاها ومدحا فيتخشع وَلَيْسَ بخاشع أَلا ترى إِلَى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا قَامَ العَبْد بَين يَدي الله لَا يتفرغ للعبث فِي الصَّلَاة وَإنَّهُ كَمَا انتصب لله جسده فِي الظَّاهِر فقد انتصب قلبه فِي الْبَاطِن وكما رمى ببصره فِي الظَّاهِر حَيْثُ يَقع من الْخلقَة فَكَذَلِك رمى ببصر قلبه إِلَى الْمقَام الَّذِي رتب لَهُ إِن كَانَ من أهل الْمرتبَة وَإِلَّا فِي متعبده إِن لم يكن من أهل الْمرتبَة
قَالَ لَهُ قَائِل وَأَيْنَ الْمَرَاتِب
قَالَ الصديقون مَرَاتِبهمْ من الْعَرْش على أصنافهم عَسْكَر دون الْعَرْش