بِمَا سَأَلَ وَإِن كَانَ أعلم النَّاس باللغة فَهُوَ عَالم بِالْكَلِمَةِ من طَرِيق اللُّغَة جَاهِل بغور الْكَلِمَة ومعدنها ووقتها وموضعها فَهُوَ جَاهِل بِالْمَعْنَى أعمى عَن حشوه فَصَاحب لَا يُصِيب فِي دُعَائِهِ جدا وَلَا اجْتِهَادًا وَإِنَّمَا يَدْعُو عَن ظهر قلب فَهَذَا عبد يُجَاب وَلَا يُسْتَجَاب وَإِنَّمَا يُجَاب لِأَنَّهُ مُؤمن فالإجابة للْمُؤْمِنين والاستجابة للجادين الْمُجْتَهدين المفتقرين المرتعنين المتبائسين المتخشعين الموقنين إِلَّا أَن الله هُوَ الْكَرِيم الْجواد أوسع لعبيده فجاد عَلَيْهِم بالمعرفة الَّتِي هِيَ أعظم الْأَشْيَاء استحيى أَن يتْرك هَذَا العَبْد خَالِيا صفر الْيَدَيْنِ إِذا مد يَده إِلَيْهِ حَتَّى يأجره على ذَلِك فَيكون ذَلِك إِجَابَة لَا استجابة
قَالَ عبد الرَّحْمَن بن غنم بَيْنَمَا نَحن جُلُوس يَوْمًا عِنْد معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ إِذْ دَعَا بِدُعَاء لم أسمع دَاعيا يَدْعُو مثل دُعَائِهِ فَقلت لَهُ رَحِمك الله يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَو علمتني بعض مَا تَدْعُو بِهِ فَقَالَ لَو كنت أعلم لَك فِيهِ خيرا كنت علمتك فَقلت سُبْحَانَ الله لم لَا تعلم لي فِيهِ خيرا قَالَ لِأَن رَسُول الله كَانَ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْكَبِير الْحسن الْجَمِيل الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يَقُول مثله فَقلت لَهُ يَوْمًا يَا رَسُول الله لَو علمتني بعض مَا تَدْعُو بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كنت أعلم لَك فِيهِ خيرا لعلمتك فَقلت سُبْحَانَ الله يَا رَسُول الله لم لَا تعلم لي فِيهِ خيرا قَالَ لِأَن أفضل الدُّعَاء مَا خرج من الْقلب بجد واجتهاد فَذَاك الَّذِي يسمع ويستجاب وَإِن قل
فالجد أَن يقف العَبْد بِقَلْبِه فِي مَحل الدُّعَاء وَالِاجْتِهَاد مفتقر الْقلب إِلَى الله متبائس النَّفس
وَقَوله تَعَالَى {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان} أَرَادَ إِجَابَة تَلْبِيَة على مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم