فِي قُلُوبكُمْ التَّوْحِيد بحلاوته كي إِذا جَاءَت النَّفس بحلاوة شهواتها إِلَى الْقلب ضربت بِتِلْكَ الْحَلَاوَة وَجههَا وردهَا بِقُوَّة هَذِه الْحَلَاوَة الْمَمْنُون عَلَيْهِ فَإِذا لم يُجَاهد وانخدع لنَفسِهِ وَبِمَا تَأتي بِهِ تحيرت الْجَوَارِح وتعطلت الْأَعْمَال الَّتِي بهَا وكلوا
فهناك تَجدهُ لَا يلتذ بِطَاعَة وَلَا يستروح إِلَى ذكر إِذْ لَا يجد رَائِحَة الذّكر لِأَنَّهُ يخرج من صدر كالمزابل محشو بالخبث والخيانة وَالظُّلم والعدوان وَالرَّغْبَة والتجبر والتعزز والتكبر والاستبداد والحقد والغلو وَحب الْأَشْيَاء الَّتِي يضاهي الله بهَا وينازع رِدَاءَهُ فيرجو صَاحبه أَن يلتذ بِطَاعَة أَو يستروح إِلَى ذكر أَو يُجَاوز قلبه فِي عمله فَإِن اجْتهد فأخلص فِي شَيْء وَأخذ بِحرْمَة ذَلِك التَّوْحِيد وقوته فبجهد شَدِيد وَلَا يُجَاوز قلبه الجو فَهَذَا شَأْن الْعَامَّة
وَأما الصادقون وهم الْعباد والزهاد والقراء فنياتهم صاعدة عَن هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي ذكرنَا من الْعقل وَالْعلم والفهم والهمة والعزم والإضمار فَإِذا بلغ الْمحل الَّذِي هُنَاكَ اسْتَقر الْقَرار فِي بَيت الْعِزَّة فِي سَمَاء الدُّنْيَا وضعفوا عَن تجَاوز ذَلِك إِلَى مَا فَوْقه لِأَنَّهُ لَا يقدر قلبه على الطيران إِلَى العلى وعَلى قدر علمه وعقله وذهنه واستعماله ذَلِك يُمكنهُ أَن يطير فتحظى تِلْكَ النُّفُوس من ذَلِك الْمحل وَيَأْخُذ قوتها وَيسْتَمر فِي الطَّاعَة
وَأما العارفون وهم الصديقون فَإِن نياتهم قد صَارَت كلهَا نِيَّة وَاحِدَة لِأَن الْقلب قد ارتحل إِلَى الله تَعَالَى بِمرَّة وَوجد الطَّرِيق واشتغل بِالنَّفسِ بِمَا فِيهَا من الشَّهَوَات لينَة منقادة قد تحولت من الْخِيَانَة إِلَى الْأَمَانَة وانقادت للقلب فالقلب أَمِير وَالنَّفس أَسِير فارتحال قُلُوبهم إِلَى المعسكر عِنْد ذِي الْعَرْش وَلَهُم مطاف وأعمالهم معروضة على الله فِي كل معرج وَينظر إِلَيْهَا الرب ويتقبلها ثمَّ تُوضَع بعد الْقبُول فِي الخزائن الْخَاصَّة