ذَلِك وجدا شَدِيدا فَسخرَ لَهُ الرّيح ثَوابًا لعاجله ثمَّ أعد لَهُ ثَوَاب الْأَجَل فَقَالَ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
فَمن غض بَصَره فقد رد حلاوة هَاجَتْ مِنْهُ حِين أحست نَفسه بالنظرة الأولى الَّتِي كَانَت لَهُ فَرد تِلْكَ الْحَلَاوَة على النَّفس فَرَجَعت النَّفس قهقرى على عقبيها وَبقيت خزانَة الله مصونة فأعقبه الله تَعَالَى فِي عَاجل دُنْيَاهُ بِمَا صان خزانته فأهاج من الخزانة من شرارات الْمعرفَة حلاوة عبَادَة طرية وخلصه من وبال النظرة وَجعل تِلْكَ الْعِبَادَة حصنه وَتلك الْعِبَادَة زَاد قلبه يقطع بهَا مَسَافَة العبودة أَيَّام الْحَيَاة وحلاوة الْعِبَادَة تحفة من الله تَعَالَى وَأَصلهَا من هيجان الْمعرفَة فالعبادة كَثِيرَة وحلاوته عزيزة لَا تنَال إِلَّا من طَرِيق التحف فَهِيَ زَاد قُلُوب العابدين وبالزاد يقطع الْأَسْفَار أسفار الملكوت
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أحب الْعُيُون إِلَى الله تَعَالَى عينان عين غضت عَن محارم الله وَعين حرست فِي سَبِيل الله) وَقَالَ تَعَالَى {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم}
فَخرجت مخرج النَّصِيحَة والعطف والتأييد وَقَالَ فِي سَائِر الْأَشْيَاء افعلوا وَلَا تَفعلُوا وَبَين الْأَمر وَالْقَوْل بون بعيد فَوجدَ السَّابِق سَبِيلا إِلَى صفاء الِانْتِهَاء والمقصد سَبِيلا إِلَى الِانْتِهَاء مَعَ التَّنَازُع قَالَ تَعَالَى {يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور}