فِي الوطن الَّذِي مِنْهُ بدا ثمَّ أكْرمه الله تَعَالَى بِالشَّهَادَةِ ففوض ذَلِك إِلَى سِتَّة نفر أزكن فيهم الْخَيْر وَأحسن بهم الظَّن وَلَو وجد فيهم مساغا للفراسة أَو حظا من الإلهام لنصه باسمه وَلكنه انسد عَلَيْهِ بَاب الفراسة وَانْقطع حَظّ الإلهام فَرَأى التَّفْوِيض إِلَى هَؤُلَاءِ خيرا من إهمال أَمر الْأمة فَقبض إِلَى الله وَترك الْأَمر شُورَى بَينهم فَاخْتَارُوا من بَينهم وَاحِدًا بعد الِاحْتِيَاط والتأني والتشاور وافتقدت الْأمة وزارة الرسَالَة وَحَضَرت نوبَة وزارة النُّبُوَّة فاتفق أَمر السِّتَّة على أحد وزيري النُّبُوَّة إِذْ لم يبْق مِنْهُم من الْأَرْبَعَة إِلَّا هذَيْن عُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يزَالُوا يستخيرون الله تَعَالَى حَتَّى اتَّفقُوا على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ثمَّ أَقبلت الدُّنْيَا وَجَاء كفران النِّعْمَة وهاجت الْفِتْنَة وَعز الْيَقِين وَأدبر الْحق رَاجعا إِلَى الله تَعَالَى عِنْد إقبال الدُّنْيَا وَذَهَبت حَيَاة الْقُلُوب لكفران النِّعْمَة وتبديل الْأُمُور وَغَلَبَة الْهوى حَتَّى قتل عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَجَاءَت نوبَة عَليّ كرم الله وَجهه وَالزَّمَان بِتِلْكَ الْحَال فَلم يبْق لوزارة النُّبُوَّة من الْقُوَّة مَا يقوم مقَام أبي بكر وَلَا عمر رَضِي الله عَنْهُمَا بَايعُوا أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وسلوا على أهل الرِّدَّة سيوفهم فَلم يغمدوها وَلم يخذلوه وَلم ينكثوا الْبيعَة وَبَقِي السَّيْف مسلولا إِلَى انْقِضَاء وزارة الرسَالَة بِمَوْت عمر رَضِي الله عَنهُ وَبَايَعُوا عليا كرم الله وَجهه فِي وقته ثمَّ نكثوا بيعَته وسلوا السيوف عَلَيْهِ وَآخَرُونَ بَايعُوهُ وسلوا السيوف لَهُ ثمَّ خَرجُوا عَلَيْهِ مارقين وَآخَرُونَ بَايعُوهُ وسلوا السيوف لَهُ وهم أهل الْكُوفَة ثمَّ خذلوه وَآخَرُونَ امْتَنعُوا من بيعَته وأبوا خِلَافَته وحاربوه وَلَو كَانَت لَهُ وزارة الرسَالَة لَصَارَتْ الْقُلُوب كلهَا كقلب وَاحِد وَكَانَت الفئة القليلة المستضعفة يغلبُونَ الفئة الْكَثِيرَة كَمَا كَانَ فِي زمن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَمن لحظ إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِالْقَرَابَةِ والختونة ومعاني لَيْسَ فِي هَذَا الْأَمر من شَيْء إِنَّمَا هَذَا أَمر الرسَالَة وَإِنَّمَا يقوم بهَا الْقَائِم ويقوى بهَا بحظه من الله الَّذِي ضمن حَشْو الرسَالَة