وَذَلِكَ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما افْتتح خَيْبَر قسم الْغَنَائِم بَين الْمُهَاجِرين دون الْأَنْصَار فَلم يَجدوا فِي صُدُورهمْ ضيقا وَلَا حسدا وَلَا شكا وَلَا وجدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فعله حِين ضربوا بِالسُّيُوفِ حَتَّى غنموا ثمَّ أعْطى الْغَنِيمَة للمهاجرين دونهم فَأثْنى الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَشهد لَهُم بِالصّدقِ وَسُقُوط قدر الشَّيْء عَن قُلُوبهم وَقَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ ... إِلَى قَوْله (. . أَو صديقكم) إِذن بَالغ
لَكِن الصّديق لَهُ حَقِيقَة فَمَا لم يعرف حَقِيقَة صداقته لم يغرر المتقي المتورع بِنَفسِهِ فِي ذَلِك وَأول حَقِيقَة الصداقة فِي سُقُوط قدر الشَّيْء من قلبه فَإِذا لم يعرف بِهَذَا وَإِن صادقه بِكُل قلبه فَهُوَ مُجْتَهد فِي صداقته وَلَا يَخْلُو من كَرَاهِيَة وَثقل أَن تناولت من ملكه شَيْئا وَقد أذن الله تَعَالَى فِي الْأَمْوَال عَن طيب النَّفس قَالَ عز من قَائِل فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا وَلم يقل قلبا لِأَن الْقلب رُبمَا طَابَ وَرَضي بِمَا فِيهِ من الْإِيمَان وَالنَّفس تكره بِمَا فِيهَا من الشَّهْوَة
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (لَا يحل لامرئ من عَطاء أَخِيه إِلَّا بِطيب نَفسه) فالإقدام فِي هَذَا الْيَوْم على مثل هَذَا جرْأَة عَظِيمَة إِذْ لَا تعلم هَذِه الْخصْلَة إِلَّا لأولئك الَّذين خلت قُلُوبهم من نُفُوسهم وتعلقت بالخالق الْكَرِيم فَلَا يبالون مَا أقبل وَمَا أدبر وَمن أَخذ وَمن أعْطى يتناولون من الدُّنْيَا لله تَعَالَى ويمسكونها لله على نَوَائِب الْحق ويعطونها لله تَعَالَى فَإِن تناولت من أَمْوَالهم لم يرجع عَلَيْك وبال مِنْهُم إِذْ أَخَذتهَا لله تَعَالَى فَإِن تناولته بِغَيْر حق يثقل فعله عَلَيْهِم