وجلاله فهم الَّذين لَا قسْمَة بَينهم وَلَا وزن وَلَا عدد يتَنَاوَل أحدهم مَا شَاءَ من مَال أَخِيه من غير إِذن وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يعْمل فِي مَال أبي بكر رَضِي الله عَنهُ كَمَا يعْمل فِي مَال نَفسه كَمَا قد عرف مِنْهُ وَهل كَانَ يفعل فِي مَال غَيره مثل ذَلِك فَإِن مُخَالطَة المطبوع على السخاء أطيب والتناول من مَاله أشهى وَالْأكل من طَعَامه أطيب وَأحلى لأجل سُقُوط قدر ذَلِك عَن قلبه
وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ تصدق بِمَالِه كُله وَلَا يكَاد أهل الانتباه واليقظة يدْخلُونَ بيُوت البخلاء ويتناولون من أطعمتهم إِلَّا ويجدون ثقل ذَلِك على قُلُوبهم ويفتقدون ذَلِك الطّيب وَتلك الْحَلَاوَة واللذة من طعامهم لأَنهم قد أحسوا بِمَا فِي نُفُوسهم من قدر ذَلِك الشَّيْء عِنْدهم فَيذْهب طعمه وطيبه
وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِهِ نزل على الْقَوْم الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} وعلمهم الشَّرِيعَة ومستقرهم بِأَرْض الصين من وَرَاء نهر الرمل فَسَأَلَهُمْ عَن معاشهم فَقَالُوا نَزْرَع ونحصد ونجمعه فِي بَريَّة من الأَرْض فَيخرج كل من احْتَاجَ إِلَى شَيْء فَيَأْخُذ مِنْهُ وسائره مَتْرُوك هُنَاكَ
فَهَذَا صدق الْأُخوة فِي أهل الْهِدَايَة بِالْحَقِّ وَالْعَدَالَة فَصَارَ الْعدْل مقومهم وَالْحق عز وَجل هاديهم وَقد كَانَت أَوَائِل هَذِه الْأمة على هَذَا السَّبِيل وَقد أثنى الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله الْكَرِيم عَلَيْهِم فَقَالَ عز من قَائِل {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} {وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا}