متقدة بِنَار الشَّهْوَة وَقَلبه مشحون بهوى نَفسه وَلَو اجْتهد فِي إخلاص الصَّلَاة وَالصَّوْم فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى أَن يخلص فِي مشيته وركوبه ونزوله وَأكله وشربه ومنطقه وصمته وَأَخذه وإعطائه وَجَمِيع معاملاته وَلَو أخْلص هَذَا كُله أَلَيْسَ هَذِه الْمَزَابِل مَعَه فَهَذِهِ كلهَا عُيُوب وَالْعَبْد إِذا كثرت عيوبه انحطت قِيمَته
والعاقل لَا يغره مَا رأى من ظَاهر أَحْوَاله إِذا اطلع على بَاطِنه فَوَجَدَهُ كَمَا وَصفنَا كمن رأى ملكا لَهُ عبيد فِي زِيّ وهيئة ومراكب وَالْملك بِنَفسِهِ لَيست لَهُ مَادَّة من الْأَمْوَال وَإِذا رأى عبدا أَرْكَانه معطلة من أَعمال الْبر وَقَلبه ملك من الْمُلُوك مَمْلُوءَة خزائنه أَمْوَالًا وبيوته جَوَاهِر وَالْأَمْوَال غناهُ بِاللَّه تَعَالَى وَأي غَنِي أغْنى مِمَّن اسْتغنى بِاللَّه تَعَالَى إِذْ الْغنى بالأموال مُنْقَطع والغنى بِاللَّه تَعَالَى دَائِم إِذْ هُوَ حَيّ لَا يَزُول وَأما الْجَوَاهِر فحكمة صِفَاته وَقد عجز عَن دركها الْعَامَّة وَإِنَّمَا خص بهَا الْأَنْبِيَاء والأولياء عَلَيْهِم السَّلَام أهل خدمَة الله تَعَالَى فَإِنَّهُ قد انْفَرد بالفرد الْوَاحِد واحتظي من جَلَاله وعظمته وكبريائه ومجده وجماله فتواضع لَهُ وخشعت جوارحه لخشوع قلبه وَعظم أَمر الله وَحفظ حُدُوده وراقب تَدْبيره إعظاما لجلاله وهيبته وتذللا لربوبيته فَعنده الرأفة بالخلق وَالرَّحْمَة لَهُم واللين والرأفة والحلم وسعة الصَّدْر وتعظيم أَمر الله تَعَالَى وَالْإِخْلَاص لَهُ وحراسة الْقلب ودوام الْفِكر والقناعة والرضى والإنابة والشوق إِلَيْهِ والتبرم بِالْحَيَاةِ واليقظة فِي الْأُمُور والمعاينة لَهَا والرزانة والصيانة والشفقة والعطف والتأني وَالْوَقار والسكون وَالذكر الدَّائِم والرهبة وَالرَّغْبَة وَالْخَوْف والرجاء والأنس بِاللَّه تَعَالَى وَالسُّرُور بِهِ والسخاء والجود والبشاشة والنصيحة وسلامة الصَّدْر صَار كمن رأى عبدا فِي هَيْئَة رثَّة وَالْملك صَاحب كنوز وجواهر فَعلم هَذَا الْعَاقِل أَن هَذِه الْهَيْئَة لَا تضر عبيده لِأَنَّهُ مَتى عرض لَهُم أَمر فتح لَهُم بَابا من خزائنه فعرفهم فَكَذَا هَذَا الْقلب قد امْتَلَأَ خيرا