مِنْهُ الْحَظ الأوفى من جَلَاله وعظمته وكبريائه ومجده فَهُوَ فِي تِلْكَ الْأَنْوَار مشرق صَدره بهَا

فَإِذا رأى أَرْكَانه معطلة من أَعمال الْبر لم يحيره ذَلِك لِأَن الْملك غَنِي فعري الأرقام لَا يضرّهُ إِذْ لَا يتْرك فرضا وَإِنَّمَا يتْرك فضلا وَلَا تستبين الْفَضَائِل فِي جنب مَا تفضل الله تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ من مَعْرفَته الَّتِي برز بهَا على الْخلق وَقد عرف الله تَعَالَى معرفَة وثق بِهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله وفوض أُمُوره إِلَيْهِ

فَانْظُر إِلَى تَدْبيره مراقبا لَهُ قَابلا لأحكامه قنعا بِالَّذِي يُؤْتى من دُنْيَاهُ مؤتمرا بأَمْره مطمئنا بِهِ لَيست لَهُ همة وَلَا نهمة وَلَا قَرَار إِلَّا الْخَلَاص من هَذَا السجْن الَّذِي أَخذ بِنَفسِهِ قد ضَاعَت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَصَارَت سجنا لطول احتباسه لِأَنَّهُ ظمآن إِلَى لِقَاء مَوْلَاهُ

وَأي شَيْء ألذ من لِقَاء العَبْد سَيّده الَّذِي كَانَ أمله من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَما الْإِبَاق من العبيد الَّذين جهلوا سيدهم لَا يحب لِقَاء سَيّده وَهل شَيْء أثقل عَلَيْهِ من لِقَائِه لأَنهم استطابوا الْحُرِّيَّة وتعجلوها بتقلبهم فِي دنياهم وشهواتهم وهربوا من العبودة فهم وَإِن كَانُوا قد عرفوه وَلم يشكوا فِيهِ بعد أَن أيقنوا وعلموه علم اللِّسَان إِلَّا أَنهم جهال بِهِ لم ينكروه لِأَنَّهُ لم يتراء على قُلُوبهم نور جَلَاله وَلَا حل بقلوبهم عَظمته وَلَا تجلل عَلَيْهَا كبرياؤه وَلَا طالعت مجده وسلطانه وَلَا عَايَنت منته وإحسانه وَلَا فهمت تَدْبيره ولطفه فِي الْأُمُور وَلَا انْتَبَهت لربوبيته وَلَا شربت بالكأس الأوفى من محبته وَلَا ظمئت من الشوق إِلَيْهِ وَلَا ولهت وَله العكف بِبَابِهِ وَلَا تفسحت فِي ساحات توحيده متأنسا بجماله وَلَا انْفَرَدت لأحديته وَلَا حييت بحياته وَلَا خلصت لوحدانيته وَلَا طابت بنسيم قربه وَلَا انشرحت صُدُورهمْ بذلك من قُلُوبهم بل علمُوا علما مُجملا اقتضاهم الْإِيمَان الْإِقْرَار بذلك قولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015