وَلَا يجْتَمع تَعْظِيم الْحُقُوق وتعظيم الدُّنْيَا فِي قلب فَأَما إِذا أسلم نَفسه وَوَجهه إِلَى الله تَعَالَى وبذل نَفسه لله تَعَالَى عبودة صَار من رجال الله تَعَالَى وعبيده وخاصته فتعلوه مهابة كَمَا إِذا صَار عبدا للْملك ظهر عَلَيْهِ من بهجة ملكه وغناه وَوجدت لَهُ هَيْبَة فعبيد الله صدقا عَلَيْهِم من الله تَعَالَى طلاوة وحلاوة وملاحة ومهابة فَإِذا غيروا وبدلوا فَعَظمُوا الدُّنْيَا بخراب قُلُوبهم فقد ارتجعوا فِي نُفُوسهم فَذَهَبت الهيبة لِأَنَّهُ الْآن لَيْسَ من عبيد الْملك إِنَّمَا هُوَ عبد نَفسه وهواه ودنياه وشهواته وسلطانه
وَقَوله وَإِذا تركت الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حرمت بركَة الْوَحْي فَإِن فِي ترك ذَلِك خذلانا للحق تَعَالَى وجفوة للدّين وَفِي ذَلِك ذهَاب البصيرة وفقد النُّور فَيصير الْقلب محجوبا فَيحرم بركَة الْوَحْي فيقرأه وَلَا تعي اذنه مِنْهُ شَيْئا قد حرم فهمه وَهُوَ من أعلم النَّاس باللغة وأبصرهم بتفسيره وَقد عمي عَن لطائفه ومعانيه ووعده ووعيده وَأَمْثَاله لِأَنَّهُ إِذا وَقع من لِسَانه فِي أُذُنه صَار إِلَى قلب صَدره مظلما فَكَأَنَّهُ قد غرق فِي لجة إِنَّمَا هُوَ كَلَام يدْخل سَمعه فَإِذا صَار إِلَى الصَّدْر صَار فِي عمى وَالَّذِي أشرق صَدره بِالنورِ فعلى قلبه ينابيع الْفَهم يلتذ باللطائف أحلى من القطائف ويفرح بالوعد ويحذر الْوَعيد ويرغب ويرهب وَيعْتَبر ويتعظ فَهَذَا بركَة الْوَحْي
وَقَوله وَإِذا تَسَابَّتْ أمتِي سَقَطت من عين الله تَعَالَى لِأَن بدوه الْكبر والإستحقار للْمُسلمين والحسد وَالْبَغي والتنافس فِي أَحْوَال الدُّنْيَا فَبِهَذَا سقط من عين الله والساقط من عينه قد خرج من كلاءته وَحفظه ورعايته فليستعد للخذلان فِي نَوَائِب الدّين وَالدُّنْيَا فَإِنَّهُ إِذا زَالَت عَنهُ رعايته ذهبت عصمته وَله فِي كل نائبة ورطة حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى الورطة الْكُبْرَى سلب الدّين والانتكاص على العقبين وَمن سقط عَن عينه لم يبال فِي أَي وَاد هلك وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى مِنْهُ