الْأَحْيَاء ستر عَلَيْهِ عِنْد الْأَمْوَات وَذَلِكَ لمن ولي الله تَدْبيره ستره لِئَلَّا يرى الْخلق من الْأَحْيَاء والأموات معايبه
رُوِيَ أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ خرج غازيا فِي أَرض الرّوم فَقص عَلَيْهِ قاص فَقَالَ لَيْسَ أحد من بني آدم يعْمل عملا أول النَّهَار إِلَّا عرض على معارفه من أهل الْآخِرَة فِي آخر النَّهَار وَلَا عمل عملا فِي آخر النَّهَار إِلَّا عرض على معارفه من أول الْغَد فَقَالَ أَبُو أَيُّوب إِن ذَاك لكذاك اللَّهُمَّ لَا تفضحني عِنْد سعد بن عبَادَة وَلَا عِنْد عبَادَة بن الصَّامِت مِمَّا عملت بعدهمَا فَقَالَ الْقَاص وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا كتب الله لعبد ولَايَته إِلَّا ستر عَوْرَته وَأثْنى عَلَيْهِ بِأَحْسَن عمله
وَمعنى ولَايَة التَّدْبِير أَن الله تَعَالَى شرع السَّبِيل وَهدى الْقُلُوب ورزق الْعُقُول وأكد الْحجَّة بالرسل وَبِمَا جَاءُوا بِهِ من الْبَيَان وأيد بِالْمَلَائِكَةِ يهْدُونَ ويسددون وَقيل لَهُم سِيرُوا إِلَى الله تَعَالَى سيرا مُسْتَقِيمًا فِي هَذَا الصِّرَاط فَإِن عارضتم نفوسكم بِخِلَاف مَا أَمر الله تَعَالَى فجاهدوها وسلوا الله المعونة
فَهَذَا تَدْبيره الَّذِي وَضعه للْجَمِيع فَمن صدق الله تَعَالَى فِي مجاهدة النَّفس حَتَّى بلغ أقصاها لم يقدر على أَكثر من أَن يمْنَع قلبه من الْكفْر كَمَا يمْنَع جوارحه من الْعَمَل فَهَذَا غَايَة جِهَاد النَّفس وَتَصْحِيح الْبَاطِن وَالظَّاهِر وَنِهَايَة الصدْق فقد أَتَى بالوسع وَحَال الطَّبْع بَاقٍ على تركيبه من الشَّهْوَة واللذة وَالْغَضَب وَالرَّغْبَة والرهبة وَمن هَذِه الْأَشْيَاء حدثت الْمعاصِي إِلَى الْقُلُوب وَمِنْه إِلَى الْأَركان فيجأر إِلَى الله تَعَالَى لكدورة الْأَخْلَاق فَإِنَّهَا تكدر عَلَيْهِ إيمَانه فَلَا يصفو فَعندهَا يرحمه الله تَعَالَى عِنْد انْقِطَاع أَسبَابه وتغوثه بهَا صَارِخًا مُضْطَرّا فَيَأْخذهُ من تَدْبيره الَّذِي وَضعه لِعِبَادِهِ وَمن مجاهدة النَّفس إِلَى تَدْبيره الَّذِي وَضعه لِعِبَادِهِ وَمن مجاهدة النَّفس إِلَى تَدْبِير نَفسه فَهُوَ الْقَادِر على ذَلِك