الْأُمُور فِيمَا أذن لَهُم فِيهِ وقفُوا لِلْحسابِ فَذَاك عَلَيْهِ لَا لَهُ حَتَّى يتَخَلَّص مِنْهُ فَإِن تخلص مِنْهُ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَنعم مَا يتَخَلَّص مَعَ أَنه لَا يَنْفَكّ مَعَ الْخَلَاص من حسرة موجعة للقلب مفجعة للنَّفس إِذْ يرى أَكثر عمره قد أهدره وأبطله فَإِن أهل الْغَفْلَة حظهم من أعمارهم يَوْم الْقِيَامَة السَّاعَات الَّتِي كَانُوا فِي أُمُور آخرتهم من أَعمال الْبر وَسَائِر ذَلِك هدر وَإِنَّمَا يثابون على أَعمال الْبر لأَنهم عملوها على ذكر الاخرة فَأَما مَا عملوها على الْعَادة والشهوة وحظ النَّفس فَلَا نِيَّة لَهُم وَلَا حسبَة فَهُوَ بطال غافل ينْكَشف لَهُ الغطاء يَوْم الْحَسْرَة والندامة قَالَ تَعَالَى وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة
فَهَؤُلَاءِ إِن نطقوا فَعَن علومهم وعقولهم ينطقون وَإِن صمتوا فَفِي أَحْوَالهم يتفكرون وإياهم يذكرُونَ وبدنياهم يشتغلون وَفِي منامهم وشهواتهم يرتاحون وَهَذَا صفة هَؤُلَاءِ المستورين المعروفين عِنْد الْعَامَّة بأعمال الْبر وبالعدالة وَالصَّلَاح والرئاسة وَالْعلم فَإِنَّهُم قد رَضوا من حظهم بِمَا نالوا من مرفق النَّفس والوصول إِلَى النهمة وَرَضوا من دينهم بِهَذِهِ الْأَعْمَال الَّتِي تستروا بهَا ليحمدوا عِنْد الْخلق بذلك وَلَا تلحظ قُلُوبهم إِلَى مَالك الْملك الَّذِي يراهم على هَذِه الصّفة حَتَّى يستحيوا مِنْهُ
وَأما الضَّرْب الآخر فهم يعاملون الله تَعَالَى على العبودة كعبيد الْخدمَة انتبهوا من رقدة الغافلين فدبروا لأَنْفُسِهِمْ أمرا علمُوا أَنه قد مضى التَّدْبِير من قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وأثبته فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فائتمنوه على أنفسهم وألقوا بِأَيْدِيهِم سلما وفوضوا أُمُورهم إِلَيْهِ وشغلهم جَلَاله وجماله وعظمته ومجده عَن أَن يتفرغوا لأَنْفُسِهِمْ فيفكروا ويدبروا لَهَا